شهدت الأعوام الخمس الماضية، زيادة في أعداد البرامج التلفزيونية والقنوات والمسلسلات، وحتى صفحات التواصل الاجتماعي، التي تعيد إحياء الماضي، إذ حققت نسب نجاح كبيرة وإقبالا تجاوز ملايين المشاهدات. محطات تلفزيونية عدة، عملت على إعادة إحياء الماضي بتخصيص قنوات لعرض كل ما هو قديم، سواء أفلام أو مسلسلات أو برامج. وزادت هذه الموجة من البرامج بعد نجاح برنامج "صاحبة السعادة" تقديم الفنانة إسعاد يونس، منذ العام 2014، إذ تحظى حلقاته بمشاهدات مليونيّة، ومؤخرا تصدّر البرنامج قائمة الأعلى مشاهدة على "يوتيوب"، بعد حلقة الفنان أحمد فهمي وخطيبته الفنانة هنا الزاهد، في 11 مارس الحالي. الدكتور ياسر عبدالعزيز الخبير الإعلامي، يقول إنّ مثل هذه البرامج تلعب على وتر الحنين إلى الماضي، وهو أحد الأوتار التي نُدرّسها في الأكاديميات، باعتبارها جاذبة للمشاهدة. يضيف الخبير الإعلامي، ل"الوطن": "النوستالجيا أو الحنين فكرة مركزية في الوعي العام مرتبطة بالذكريات، وتجد صدى لدى قطاعات من الجمهور"، موضحا أنّ هذا النجاح ليس لاستدعاء الماضي فحسب، بل لأنّها تساعد على استدعاء الذكريات الشخصية المرتبطة بهذا الماضي. يتابع عبدالعزيز، أنّ هناك قنوات عالمية متخصصة في عرض المواد الإبداعية القديمة، ضاربًا المثل بإحدى قنوات هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، المتخصصة في إذاعة الأفلام القديمة فقط. وفي العام 2009، أطلقت مجموعة قنوات روتانا، قناة "روتانا زمان"، وذلك بعد دمج قناتي "طرب" و"زمان" في قناة واحدة، تبث أفلامًا مصرية قديمة وحفلات للسيدة أم كلثوم وعدد من نجوم "الزمن الجميل"، وكانت شركة روتانا، اشترت من شركات إنتاج مصرية، عددا كبيرا من الأفلام القديمة في بداية العام 2004، بعد نجاح الشركات المصرية في شراء الحقوق من ورّثة المنتجين والفنانين المصريين. الناقد الفني طارق الشناوي، يقول إنّ هذه القناة تعيد عرض أجمل ما في الماضي، وليس كل الماضي، وبالتالي فكل ما تقدمه هو انتقاء. يضيف الشناوي، ل"الوطن"، أنّ ما نراه حاليا على روتانا، هو عملية انتقاء لأجمل ما في الماضي: "الماضي أيضًا به قبيح، لكن ما يعرض أجمل ما في هذا الزمن، فيحيي لدى المشاهد ذكريات يريد أن يراها مجددًا". وفي العام 2016، أطلق التليفزيون المصري قناة ماسبيرو زمان التي تحظى بنسب مشاهدة عالية، إذ تبث برامج وأفلام ومسلسلات من مكتبة التليفزيون المصري، وانتشرت مقاطع منها على صفحات التواصل الاجتماعي. يقول الناقد الفني، إنّ التليفزيون يمتلك تراثا بمثابة أمن قومي، موضحًا أنّهم طالمًا طالبوا القائمين على التليفزيون بالمحافظة على تراث التلفزيون، وتزويده بشراء المزيد من المسلسلات والأفلام والأغنيات. وخلال السنوات الماضية، حظيت عدة مسلسلات على نسب مشاهدة عالية، صُنفّت بأنّها تنتمي للمسلسلات الاجتماعية أو الأسرية، التي ارتبطت بتوقيتات وذكريات محببة لدى قطاع كبير من الجمهور، آخرها مسلسل "أبوالعروسة" الذي تعرضه قناة "دي إم سي" حاليا. مصطفى حمدي الناقد الفني، يقول إنّ الدراما الاجتماعية تنجح بسبب انتشار حالة عامة في مصر تسمى ب"النوستالجيا"، بدأت منذ عامين أو ثلاثة بالأغنية والبرامج، ثم انسحبت إلى المسلسلات، صاحبها اتجاه القنوات لإعادة عرض المسلسلات القديمة. ويوضح حمدي ل"الوطن"، أنّ المنتج الدرامي الحالي لا يشبع الأذواق الفنية المختلفة، إذ أنّ معظم الأعمال الدرامية تعرض خلال شهر رمضان وتُنسى بعد ذلك، بسبب العرض المزدحم وكثرة المسلسلات. يضيف الناقد الفني، أنّ المسلسلات الاجتماعية وإنّ كان هناك اختلاف على جودتها، فهي في النهاية تتناول العلاقات الاجتماعية بصورة أعمق من غيرها، كما أنّ المشاهد المصري بطبيعته يميل لدراما العلاقات الاجتماعية، ما يفسر نجاح مسلسل مثل أبوالعروسة. وتحظى صفحات بمواقع التواصل الاجتماعي، مثل "لن يفهمها جيل الآي فون" و"روائع من زمن فات"، التي تعرض محتوى لأفلام وبرامج ومسلسلات قديمة، بمتابعة كبيرة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي. ويفسر الدكتور محمود أبوحسين أستاذ الطب النفسي، الإقبال على الماضي، بأنّه محاولة للهروب من الواقع الحالي، ورغبة في التخلص من مشكلات الوقت الراهن، موضحًا أنّ الأوقات التي يحن إليها الشخص، كان يرغب حينها بالهروب إلى الماضي أيضًا.