"احترامي لنفسي دفعني لاتخاذ القرار".. أحمد مرتضى منصور يعلن انسحابه من سباق انتخابات مجلس النواب    قدرة الردع والانتخابات البرلمانية والجبهة الداخلية    وزير المالية يعلن تفاصيل الحزمة الثانية للتسهيلات الضريبية    وزير الخارجية التركي يحذر: "اتساع الحرب في أوكرانيا أصبح مخيفًا"    العراق يفوز علي البحرين 2-1 في مستهل مشوارهما بكأس العرب 2025    الخارجية السورية: وفد سفراء مجلس الأمن يزور دمشق    بعد وفاة لاعب السباحة في بطولة القاهرة، أسباب إغماء السباحين داخل الماء    أوسكار رويز يعقد اجتماعا فنيا مع الحكام لمراجعة بعض الحالات    بالصور.. انهيار عقار مكون من 4 طوابق دون وقوع خسائر في الأرواح بأسوان    هيئة البريد تصدر طابعا تذكاريا بمناسبة مرور 130 عامًا على تأسيس دار الإفتاء    رئيس تحرير بوابة الأهرام: جولة الإعادة رسالة قوية بعدم التسامح مع التجاوزات    الصحة تحذر من حقنة هتلر: قد تؤدي للوفاة (فيديو)    القبض على 4 أشخاص بحوزتهم مبالغ مالية بمحيط لجان انتخابية في جرجا    الأهلي يضع اللمسات الأخيرة استعدادا لقرعة بطولة أفريقيا لكرة السلة للسيدات    إندونيسيا ترسل سفنا حربية لدعم عملية توزيع المساعدات في آتشيه المتضررة جراء الفيضان    العرض العالمي الأول للفيلم الفلسطيني أعلم أنك تسمعني في مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير    تصريح صادم من الكاتب أحمد مراد عن فيلم الست    ضبط سائق نقل لوضعه كشاف عالى الإضاءة خلفى بالسيارة    الجيزة تنفّذ حملة مكبرة بعثمان محرم لإزالة الإشغالات وإعادة الانضباط إلى الشارع    مياه الشرب بالجيزة: كسر مفاجئ بخط مياه قطر 1000 مم أمام مستشفى أم المصريين    محافظ الجيزة يتفقد الموقف التنفيذي لتطوير حديقتي الحيوان والأورمان    مباحثات مباشرة لأول مرة بين إسرائيل ولبنان.. ما الهدف؟    «الري» تتعاقد على تنفيذ التغذية الكهربائية لمحطتي البستان ووادي الصعايدة    في اليوم العالمي لذوي الهمم.. غزة تواجه أعلى معدلات الإعاقة في العالم بسبب حرب الإبادة الجماعية.. 12 ألف طفل فقدوا أطرافهم أو تعرضوا لعاهات مستديمة.. و60% من السكان صاروا معاقين    مدرب تونس: طوينا صفحة الخسارة أمام سوريا ونستعد بقوة لمواجهة فلسطين    فيدريكو جاتي يغيب عن يوفنتوس بسبب إصابة الركبة    يروي قصة أرض الإمارات وشعبها.. افتتاح متحف زايد الوطني بأبوظبي.. صور    في يومهم العالمي.. 5 رسائل من الأزهر لكل أسرة ترعى طفلا من ذوي الإعاقة    3 سنوات سجن للمتورطين في تزوير شيكات باسم الفنانة بوسي    سكرتير عام المنوفية يشهد افتتاح معرض «ابتكار مستدام»    رئيس قطاع الثروة الحيوانية والداجنة بالزراعة: لا توجد دواجن مريضة في الأسواق.. واتهامات السردة إشاعات    المفوضية الأوروبية تتقدم باقتراح بشأن قرض لتمويل تعويضات لكييف    عاجل- الحكومة: 6.3 مليون مواطن استفادوا من خدمات هيئة الرعاية الصحية خلال 6 أشهر    ضبط 7 من سماسرة المال السياسي فى انتخابات النواب بسوهاج    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    6 قرارات جديدة للحكومة.. تعرف عليها    زينة: "ماشوفتش رجالة في حياتي وبقرف منهم"    ريهم عبدالغفور تحيي ذكرى وفاة والدها الثانية: "فقدت أكتر شخص بيحبني"    انعقاد الاجتماع الرابع للجنة الفنية المصرية – التونسية للتعاون الاستثماري    7 ديسمبر.. الإدارية العليا تنظر الطعون على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    السيدة انتصار السيسي تحتفي بيوم أصحاب الهمم: قلوب مليئة بالحب    دونالد ترامب يحضر قرعة كأس العالم 2026    بداية شهر رجب 1447 هجريًا... الحسابات الفلكية تكشف موعد ظهور الهلال    التشكيل المتوقع لمباراة بايرن ميونخ ويونيون برلين في كأس ألمانيا    الأرصاد: استمرار انخفاض درجات الحرارة الملحوظ على مختلف أنحاء البلاد.. فيديو    أطعمة تعالج الأنيميا للنساء، بسرعة وفي وقت قياسي    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    لاول مرة فى مستشفي شبين الكوم بالمنوفية..استخراج ملعقة من بطن سيدة مسنة أنقذت حياتها    ستوري بوت | لماذا احتفى الشعب المصري والعربي ب «دولة التلاوة»؟    هالاند: الوصول ل200 هدف في الدوري الإنجليزي؟ ولم لا    وزير البترول والثروة المعدنية يستعرض إصلاحات قطاع التعدين ويبحث شراكات استثمارية جديدة    طلاب ثانية إعدادي يؤدون اختبار مادة العلوم لشهر نوفمبر بالقاهرة    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    أسعار الفراخ والبيض اليوم الاربعاء 3-12-2025 في الأقصر    الأمم المتحدة تحتفل باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة    دعاء صلاة الفجر اليوم.. فضائل عظيمة ونفحات ربانية تفتح أبواب الرزق والطمأنينة    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعليم وتجفيف منابع الإرهاب
نشر في الوطن يوم 26 - 01 - 2014

إن أى رؤية تحليلية تنظر إلى الإرهاب السياسى والعقائدى على أنه عنصر غريب عن المنتظم الحضارى السائد، إنما هى رؤية مبتورة لأنها تجرد هذه الظاهرة من إطارها الثقافى، ولعل أهم عامل يحكم هذا الإطار هو التعليم الذى يصنع عقولا جامدة لا ترى خارج عالمها الأسود سوى الكفر والضلال.
ولذا فإن الإرهابى يرفض الحوار مع الآخر، وفى حالة حدوث حوار لا يمكن أن يكون منتجا؛ لأن الإرهابى متوحد مع أفكاره إلى أقصى مدى دون نقاش ودون مراجعة أو تقويم ذاتى؛ ومن ثم يأتى الحوار معه دوما متأزما، وتكون النتيجة عودة الإرهابى إلى اللغة الوحيدة التى يعرفها: السعى إلى إبادة الآخر فى حالة انهزام الإرهابى، ومحاولة إقصاء المخالفين فى حالة انتصاره؛ فهو «غافل» لا يستطيع أن يرى سوى نفسه فى العالم! ولا يمكن أن يتخلى عن أفكاره التى تلقاها وحفظها بوصفها «كل الحقيقة»، والتى تهدف بالأساس إلى التغلب على العدو من كفار قريش، وتحقيق المقاصد الإلهية قسرا، وانتصار دولة الإيمان على دولة الكفر.. (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ).
إن حالة الإرهاب التى نعيشها، والسيولة السياسية والاجتماعية وجو الحوار المتأزم الذى شهدته مصر بين كل الأطياف، يدعونا لإعادة التفكير فى الضلع الثالث من العملية التعليمية، أعنى «طرق التدريس التقليدية» بوصفها مسئولة عن العجز المجتمعى عن الدخول فى حوار منتج وعملية ديمقراطية فعالة. ولذا أجد وجوب التوجه نحو انتهاج طرق تدريس جديدة قائمة على التربية الحوارية Dialogical Pedagogy، التى تهدف إلى تخريج شخصية حرة واعية قادرة على الحوار وغير متعالية أو رافضة له فى الآن نفسه؛ مما ينشأ عنه النمو فى تكوين المواقف والآراء الجديدة دون الخروج عن روح الفريق الواحد أو الدولة الواحدة.
وهذا هو مقصد باولو فريرى من كتابه الشهير «التعليم من أجل الوعى النقدى Education for critical consciousness»؛ حيث التعليم الحوارى فى مقابل التعليم البنكى الذى يقوم فيه المعلم بإيداع المعلومات فى ذهن الطالب مثلما يقوم «أمير الجماعة» بتعبئة عقول أتباعه. فى حين ينبغى أن يكون «التعليم ممارسة للحرية Education: The Practice of Freedom»، وهذا عنوان كتاب آخر لباولو فريرى يؤكد فيه على أن الحوار له أساس كيانى يخلق إمكانية فى الإنسان ليتناقش ويُعيد تشكيل العناصر الحقيقية لهويته، وهكذا يساهم فى تغيير نفسه والعالم.
ونعتقد أن تحقيق هذه الغاية يمكن أن يتم بواسطة طرق التدريس التفاعلية الحوارية، وتوسيع مجالات التفاعل «بين الطالب والطالب» عن طريق تطوير وتشجيع ورش العمل والجمعيات العلمية الطلابية، لأنها تسمح بوسط يوجه فيه النقد الإيجابى المتبادل على مستوى أفقى واحد من الطالب إلى الطالب، وليس على مستوى رأسى فيه تفاوت بين الطالب والأستاذ.
وفى هذا السياق تظهر أهمية تطوير «نظم التدريس» بحيث لا يتم الضغط على الطالب بحفظ المادة العلمية إلى الدرجة التى لا يستطيع معها أن يفكر فيها على مسافة كافية منها. وهنا تبرز أهمية طريقة «المشروع» التى قال بها جون ديوى، كما تبرز أهمية تكوين فرق بحثية أو نقاشية صغيرة العدد نسبيا بحيث يعمل كل فريق فى مشروعات بحثية محددة تحت إشراف المعلم من ذوى النشاط البحثى المتميز والمستمر لتحقيق تواصل أكثر عمقا بين الطلاب والمعلمين بشكل أكثر عمقا على المستوى المعرفى وإكساب الطلاب المهارات البحثية وفن الحوار المولد للحقيقة.
وفن الحوار المولد للحقيقة، دون التلقى السلبى من المعلم، اتجاه عالمى اتسع استجابة للانفجار المعرفى. وكان موجودا فى الأكاديميات اليونانية قبل الميلاد التى صنعت العقل العلمى والفلسفى، كما كان موجودا فى مدرسة «أهل الرأى» عند أبى حنيفة النعمان وغيره من الفقهاء العظماء، بل كان الحوار المنتج سنة نبوية أصيلة فى مدرسة محمد (صلى الله عليه وسلم) الذى كان يفتح الحوار فى شئون الدنيا مع أصحابه الكرام، والذى تخرجت فى مدرسته قامات تملك نواصى الرأى والاستنباط (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)، مثل عمر وأبى بكر وعثمان وعلى وخالد وعمرو وأبى ذر وابن عوف وأسامة وخديجة وأسماء وعائشة وأم سلمة.. والقائمة طويلة.
من جهة أخرى، لا شك أن التعليم يحتاج إلى جهود مضاعفة لتجديد «المحتوى التعليمى» ليتناسب مع متطلبات إعادة بناء مصر ثقافيا وسياسيا، واحتياجات المجتمع وسوق العمل. ولعلنا ندرك أنه قد آن الأوان لإعادة صياغة الكتاب المدرسى لتحقيق ما يعرف ب«الكتاب المعلم»، وهو الكتاب الذى يستطيع أن يخوض فيه الطالب بمفرده وبمساعدة محدودة من المدرس، مع العلم إن هذا لن يتم بدون تحجيم مافيا صناعة وطباعة الكتاب المدرسى ذات الصلة الوثيقة بأصحاب المصالح من صناع الكتب الخارجية التى تعرف أن استمرارها مرتبط بقصور الكتاب المدرسى.
والارتقاء بالمحتوى التعليمى يتواكب مع تشجيع «روح الاكتشاف» لدفع الطلاب إلى مستويات جديدة من التعلم القائم على الفكر التحليلى والإبداع فى حل المشكلات، وتنمية ملكة الابتكار، والخروج من حدود المقرر إلى سعة البحث العلمى لحل المشكلات الواقعية، وهذه هى أهم أداة فى الحياة لمعرفة الحقائق ولتربية الفرد ولتكوين المجتمع الديمقراطى، كما يقول جون ديوى فى كتابه «الديمقراطية والتربية Democracy and Education»، والذى ينظر فيه إلى التربية باعتبارها ضرورة من ضرورات الحياة.
ولا ينفصل عن هذا ضرورة إعادة تطوير أساليب التقويم وأسئلة الامتحانات لتختبر المهارات وطرق التفكير، ومخرجات التعليم على أساس «النتائج» بدلا من التركيز فقط على عملية التعليم والحفظ والتلقين التى تعد الأساس الخصب لتكوين عقول مغلقة لا تفكر يستطيع أن يوظفها بسهولة صانعو الإرهاب الذين يلعبون لعبة الموت فقط، الموت من أجل حياة بعينها يفرضونها على الجميع!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.