الخريطة الكاملة لمنافذ توزيع الألبان المدعمة خلال إجازة عيد الأضحى في الدقهلية    وزيرا التضامن والزراعة يبحثان إنشاء مقر لبنك ناصر الاجتماعي في العاصمة الإدارية    البنك المركزي المصري يعلن ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي إلى 48.526 مليار دولار    مدبولي: الإعلان عن إطلاق المنصة الرقمية لإصدار التراخيص خلال مؤتمر صحفي    الجيل الخامس يشعل المنافسة فى سوق الهواتف بمصر.. والشركات تستعد    تموين الإسكندرية: توريد 71 ألف طن قمح حتى الآن    أستاذ علوم سياسية: العلاقات المصرية الإماراتية ركيزة أساسية لحماية الأمن القومي العربى    إعلام إيراني عن مصدر مسؤول: القبض على عناصر لتنظيم "داعش" في طهران    إسرائيل تخطف صيادا في مياه لبنان الإقليمية بالبحر المتوسط    برشلونة يقترب من إبرام أولى صفقاته الصيفية    الزمالك ينهي أزمة إيقاف القيد    الأمن يضبط استوديو تسجيل صوتي يعمل دون ترخيص في الجيزة    مسرح الهوسابير يستقبل عيد الأضحى بعروض للأطفال والكبار.. تعرف عليها    يوم عرفة.. طريقة الاستعداد وأفضل الأعمال والأدعية المستحبة    نقلوني عشان سافرت الحج.. الشيخ محمد أبو بكر يعلق على قرار نقله للوادي الجديد    صحة الإسكندرية ترفع حالة الطوارئ وتؤكد جاهزية الأقسام الحرجة استعدادا لعيد الأضحى    هيئة الرعاية الصحية تعلن خطة التأمين الطبي لاحتفالات عيد الأضحى    محافظ بني سويف يتفقد سير العمل في مركز نقل الدم بشرق النيل    رئيس "الشيوخ" يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة عيد الأضحى    العثور على جثة بها آثار ذبح بالرقبة بفرشوط في قنا    معلومات الوزراء: مصر الثانية إفريقيًا في مؤشر تقديم الخدمات العامة لعام 2024    طرح البوستر الرسمي لفيلم "آخر راجل في العالم"    حسام حبيب: مشكلة جودة أغنية "سيبتك" قد يكون بسبب انقطاع النت أو الكهرباء    ما تفاصيل مشروع قرار مجلس الأمن المرتقب بشأن غزة؟    جامعة مصر للمعلوماتية تتعاون مع جامعة لانكستر البريطانية لتعزيز الشراكات الأكاديمية العالمية    شيخ الأزهر يهنئ الأمة الإسلامية بعيد الأضحى ويطالب المجتمع الدولي بوقف غير مشروط للعدوان على غزة    «بن رمضان» في مواجهة توانسة الأهلي.. الأرقام تحذر معلول    ارتفاع تدريجي ل درجات الحرارة.. بيان مهم بشأن حالة الطقس يوم عرفة (تفاصيل)    مد فترة التشطيبات.. مستند جديد يفجر مفاجأة في واقعة قصر ثقافة الطفل بالأقصر    بورتو منافس الأهلي يكشف عن زيه الاحتياطي فى مونديال الأندية.. فيديو    «قد يحسم أمام العراق».. حسابات تأهل منتخب الأردن مباشرة ل كأس العالم 2026    بيراميدز يجدد عقد المغربي وليد الكرتي موسمين    «بيحبوا المغامرة».. 4 أبراج تستغل العيد في السفر    وزير الثقافة ل«الشروق»: لا غلق لقصور الثقافة.. وواقعة الأقصر أمام النيابة    بالصور.. تامر حسني يتألق بحفل عالمي فى ختام العام الدراسي للجامعة البريطانية.. ويغني مع محمد ثروت "المقص"    نجم الزمالك السابق يحذر من خماسي بيراميدز قبل نهائي الكأس    مجلس الوزراء يوافق على اتفاقية مع الاتحاد الدولي للاتصالات لتحقيق التنمية الرقمية    زلازل وعواصف وجفاف.. هل تستغيث الأرض بفعل تغيرات المناخ؟    الإسكندرية ترفع حالة الطوارئ بشبكات الصرف الصحي استعدادًا لصلاة عيد الأضحى    أول تحرك من «الطفولة والأمومة» بعد تداول فيديو لخطبة طفلين على «السوشيال»    رئيس هيئة النيابة الإدارية يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة عيد الأضحى المبارك    تزايد الضغط داخل مجلسي الكونجرس الأميركي لتصنيف جماعة الإخوان "إرهابية"    بالأسماء.. 58 مركزًا لإجراء فحوصات المقبلين على الزواج في عيد الأضحى    28 فرصة و12 معيارًا.. تفاصيل منظومة الحوافز الاستثمارية للقطاع الصحي    تحرير 911 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    سيد رجب يشارك في بطولة مسلسل «ابن النادي» إلى جانب أحمد فهمي    مسابقة لشغل 9354 وظيفة معلم مساعد مادة «اللغة الإنجليزية»    «جبران»: قانون العمل الجديد يرسخ ثقافة الحقوق والحريات النقابية    محافظ أسيوط يشارك أطفال معهد الأورام فرحتهم بقرب حلول عيد الأضحى    أنشطة ثقافية ومسرح وسينما فعاليات مجانية لوزارة الثقافة فى العيد    «اللهم املأ أَيامنا فرحًا ونصرًا وعزة».. نص خطبة عيد الأَضحى المبارك 1446 ه    نقيب المحامين يوجّه بمتابعة التحقيقات في واقعة مقتل محامي كفر الشيخ    أيام الرحمة والمغفرة.. ننشر نص خطبة الجمعة المقبلة    زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على واردات الصلب والألمنيوم إلى 50% تدخل حيز التنفيذ    موعد إعلان نتيجة الصف الثالث الإعدادي 2025 في الجيزة ترم ثاني    كامل الوزير: انتقال زيزو للأهلي احتراف .. وهذا ما يحتاجه الزمالك في الوقت الحالي    «شعار ذهبي».. تقارير تكشف مفاجأة ل بطل كأس العالم للأندية 2025    «الإفتاء» تنشر صيغة دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعليم وتجفيف منابع الإرهاب
نشر في الوطن يوم 26 - 01 - 2014

إن أى رؤية تحليلية تنظر إلى الإرهاب السياسى والعقائدى على أنه عنصر غريب عن المنتظم الحضارى السائد، إنما هى رؤية مبتورة لأنها تجرد هذه الظاهرة من إطارها الثقافى، ولعل أهم عامل يحكم هذا الإطار هو التعليم الذى يصنع عقولا جامدة لا ترى خارج عالمها الأسود سوى الكفر والضلال.
ولذا فإن الإرهابى يرفض الحوار مع الآخر، وفى حالة حدوث حوار لا يمكن أن يكون منتجا؛ لأن الإرهابى متوحد مع أفكاره إلى أقصى مدى دون نقاش ودون مراجعة أو تقويم ذاتى؛ ومن ثم يأتى الحوار معه دوما متأزما، وتكون النتيجة عودة الإرهابى إلى اللغة الوحيدة التى يعرفها: السعى إلى إبادة الآخر فى حالة انهزام الإرهابى، ومحاولة إقصاء المخالفين فى حالة انتصاره؛ فهو «غافل» لا يستطيع أن يرى سوى نفسه فى العالم! ولا يمكن أن يتخلى عن أفكاره التى تلقاها وحفظها بوصفها «كل الحقيقة»، والتى تهدف بالأساس إلى التغلب على العدو من كفار قريش، وتحقيق المقاصد الإلهية قسرا، وانتصار دولة الإيمان على دولة الكفر.. (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ).
إن حالة الإرهاب التى نعيشها، والسيولة السياسية والاجتماعية وجو الحوار المتأزم الذى شهدته مصر بين كل الأطياف، يدعونا لإعادة التفكير فى الضلع الثالث من العملية التعليمية، أعنى «طرق التدريس التقليدية» بوصفها مسئولة عن العجز المجتمعى عن الدخول فى حوار منتج وعملية ديمقراطية فعالة. ولذا أجد وجوب التوجه نحو انتهاج طرق تدريس جديدة قائمة على التربية الحوارية Dialogical Pedagogy، التى تهدف إلى تخريج شخصية حرة واعية قادرة على الحوار وغير متعالية أو رافضة له فى الآن نفسه؛ مما ينشأ عنه النمو فى تكوين المواقف والآراء الجديدة دون الخروج عن روح الفريق الواحد أو الدولة الواحدة.
وهذا هو مقصد باولو فريرى من كتابه الشهير «التعليم من أجل الوعى النقدى Education for critical consciousness»؛ حيث التعليم الحوارى فى مقابل التعليم البنكى الذى يقوم فيه المعلم بإيداع المعلومات فى ذهن الطالب مثلما يقوم «أمير الجماعة» بتعبئة عقول أتباعه. فى حين ينبغى أن يكون «التعليم ممارسة للحرية Education: The Practice of Freedom»، وهذا عنوان كتاب آخر لباولو فريرى يؤكد فيه على أن الحوار له أساس كيانى يخلق إمكانية فى الإنسان ليتناقش ويُعيد تشكيل العناصر الحقيقية لهويته، وهكذا يساهم فى تغيير نفسه والعالم.
ونعتقد أن تحقيق هذه الغاية يمكن أن يتم بواسطة طرق التدريس التفاعلية الحوارية، وتوسيع مجالات التفاعل «بين الطالب والطالب» عن طريق تطوير وتشجيع ورش العمل والجمعيات العلمية الطلابية، لأنها تسمح بوسط يوجه فيه النقد الإيجابى المتبادل على مستوى أفقى واحد من الطالب إلى الطالب، وليس على مستوى رأسى فيه تفاوت بين الطالب والأستاذ.
وفى هذا السياق تظهر أهمية تطوير «نظم التدريس» بحيث لا يتم الضغط على الطالب بحفظ المادة العلمية إلى الدرجة التى لا يستطيع معها أن يفكر فيها على مسافة كافية منها. وهنا تبرز أهمية طريقة «المشروع» التى قال بها جون ديوى، كما تبرز أهمية تكوين فرق بحثية أو نقاشية صغيرة العدد نسبيا بحيث يعمل كل فريق فى مشروعات بحثية محددة تحت إشراف المعلم من ذوى النشاط البحثى المتميز والمستمر لتحقيق تواصل أكثر عمقا بين الطلاب والمعلمين بشكل أكثر عمقا على المستوى المعرفى وإكساب الطلاب المهارات البحثية وفن الحوار المولد للحقيقة.
وفن الحوار المولد للحقيقة، دون التلقى السلبى من المعلم، اتجاه عالمى اتسع استجابة للانفجار المعرفى. وكان موجودا فى الأكاديميات اليونانية قبل الميلاد التى صنعت العقل العلمى والفلسفى، كما كان موجودا فى مدرسة «أهل الرأى» عند أبى حنيفة النعمان وغيره من الفقهاء العظماء، بل كان الحوار المنتج سنة نبوية أصيلة فى مدرسة محمد (صلى الله عليه وسلم) الذى كان يفتح الحوار فى شئون الدنيا مع أصحابه الكرام، والذى تخرجت فى مدرسته قامات تملك نواصى الرأى والاستنباط (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)، مثل عمر وأبى بكر وعثمان وعلى وخالد وعمرو وأبى ذر وابن عوف وأسامة وخديجة وأسماء وعائشة وأم سلمة.. والقائمة طويلة.
من جهة أخرى، لا شك أن التعليم يحتاج إلى جهود مضاعفة لتجديد «المحتوى التعليمى» ليتناسب مع متطلبات إعادة بناء مصر ثقافيا وسياسيا، واحتياجات المجتمع وسوق العمل. ولعلنا ندرك أنه قد آن الأوان لإعادة صياغة الكتاب المدرسى لتحقيق ما يعرف ب«الكتاب المعلم»، وهو الكتاب الذى يستطيع أن يخوض فيه الطالب بمفرده وبمساعدة محدودة من المدرس، مع العلم إن هذا لن يتم بدون تحجيم مافيا صناعة وطباعة الكتاب المدرسى ذات الصلة الوثيقة بأصحاب المصالح من صناع الكتب الخارجية التى تعرف أن استمرارها مرتبط بقصور الكتاب المدرسى.
والارتقاء بالمحتوى التعليمى يتواكب مع تشجيع «روح الاكتشاف» لدفع الطلاب إلى مستويات جديدة من التعلم القائم على الفكر التحليلى والإبداع فى حل المشكلات، وتنمية ملكة الابتكار، والخروج من حدود المقرر إلى سعة البحث العلمى لحل المشكلات الواقعية، وهذه هى أهم أداة فى الحياة لمعرفة الحقائق ولتربية الفرد ولتكوين المجتمع الديمقراطى، كما يقول جون ديوى فى كتابه «الديمقراطية والتربية Democracy and Education»، والذى ينظر فيه إلى التربية باعتبارها ضرورة من ضرورات الحياة.
ولا ينفصل عن هذا ضرورة إعادة تطوير أساليب التقويم وأسئلة الامتحانات لتختبر المهارات وطرق التفكير، ومخرجات التعليم على أساس «النتائج» بدلا من التركيز فقط على عملية التعليم والحفظ والتلقين التى تعد الأساس الخصب لتكوين عقول مغلقة لا تفكر يستطيع أن يوظفها بسهولة صانعو الإرهاب الذين يلعبون لعبة الموت فقط، الموت من أجل حياة بعينها يفرضونها على الجميع!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.