ترتكز الديمقراطية على التعددية السياسية الحقيقية والتداول السلمى للسلطة واعتبار الشعب مصدر السلطات، بمعنى أنه صاحب الحق الأصيل فى اختيار حكامه ونوابه والبرنامج الذى يعبر عن طموحاته وأشواقه.. كما ترتكز أيضا على فصل حقيقى وتوازن كامل بين السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية). ولا شك أن وجود مؤسسات إعلامية قوية كوسائط لنقل الرؤى والأفكار والطروحات وما تتضمنه أيضا من حرية نقد وتعبير وتواصل بين سلطات الدولة والمجتمع يمثل أحد أهم مرتكزات الديمقراطية.. كما تقوم مؤسسات المجتمع المدنى من نقابات، وجمعيات طوعية وأهلية، بدور مؤثر وفاعل فى دعم وترشيد العملية الديمقراطية. نفهم أن الديمقراطية هى حكم الأغلبية، وفى الوقت ذاته احترام رأى الأقلية، حتى لا يحرم الوطن من جهد كل أبنائه.. وقد رأينا كيف أن الأحزاب التى نشأت بعد الثورة من خلال رحم جماعات قوية لها حضورها وتاريخها، كانت أحزابا قوية، كحزب الحرية والعدالة الذى ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين وحزب النور الذى ينتمى للتيار السلفى.. هذان الحزبان، على وجه الخصوص، استطاعا أن يشكلا أغلبية برلمانية كاسحة.. على العكس من ذلك، الأحزاب التى نشأت ولم يكن لها جماعات تسندها.. صحيح أن بعضها تمكن من إحراز بعض المقاعد، لكن ظلت تمثل معارضة ضعيفة أو غير مؤثرة. وقد كشفت الانتخابات الرئاسية أن مرشح حزب الحرية والعدالة، د.محمد مرسى، لم يستطع حسم المعركة من الجولة الأولى، بل إن الأصوات التى حصل عليها تكاد تصل إلى 50% من جملة الأصوات التى حصل عليها حزبه فى الانتخابات البرلمانية.. ولولا أن المنافس للدكتور محمد مرسى فى جولة الإعادة هو الفريق شفيق وليس غيره، وهو ما جعل الأصوات تتجه إليه مخافة عودة النظام البائد، لسلكت النتيجة سبيلا آخر، لكن الله تعالى سلّم. نحن لدينا الآن أنوية لأحزاب قوية تحت التأسيس؛ مثل حزب «مصر القوية» بقيادة الدكتور أبوالفتوح، وحزب «التيار الشعبى» بقيادة الأستاذ صباحى، وحزب «الدستور» بقيادة الدكتور البرادعى.. هذه الأحزاب يمكن أن تشكل رافعة قوية للعمل الحزبى فى مصر، ونتوقع، إن هى نظمت صفوفها وشكلت هياكلها الإدارية ولجانها النوعية والفنية على نحو سليم، وصاغت برامجها وخطط عملها بصورة جيدة، واستطاعت تحريك أفرادها وكوادرها بهمة ونشاط، واقتربت من مشكلات الجماهير، وواصلت الليل بالنهار فى العمل دون كلل أو ملل، وتواصلت بشكل مباشر مع المواطن المصرى فى الكفور والنجوع والمدن الصغيرة قبل الكبيرة، أقول يمكن أن تكون منافسا قويا مع حزبى الحرية والعدالة والنور فى الانتخابات البرلمانية القادمة، بل فى انتخابات المحليات أيضا، وفى ذلك فائدة كبرى لمصر، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.. وبالتالى، يمكن للتجربة الديمقراطية أن تتقدم خطوات ملموسة للأمام، ويأتى اليوم الذى نمارس فيه بحق التداول السلمى للسلطة.. أما إذا اكتفت هذه الأحزاب الوليدة بالصياح والولولة والقعود فى الغرف المغلقة أو عبر الشاشات وبرامج «التوك شو» للتنظير والتحليل بعيدا عن الحركة الوثابة على أرض الواقع، فلا نتوقع أن يكون هناك أى تغير يذكر، وقد تأتى نتائج الانتخابات بنفس ما جاءت به فى المرة السابقة.. لكن ليس معنى ذلك ألا تمارس أحزاب المعارضة دورها وحقها فى نقد مواقف الحزب الحاكم وممارساته، وأن تبين له وللشعب ما بها من سلبيات وثغرات، وإلا فليس هناك معنى للديمقراطية.