بدا الرئيس السوري بشار الأسد واثقا من نفسه في مواجهة معارضة تطالب برحيله عن السلطة، بإعلانه في مقابلة حصرية مع وكالة فرانس برس أن فرص ترشحه إلى ولاية رئاسية جديدة في يونيو المقبل "فرص كبيرة"، مستبعدا القبول برئيس حكومة جديدة من معارضة الخارج، وذلك قبل يومين من مؤتمر "جنيف-2". واعتبر الأسد أن "مكافحة الإرهاب" هو "القرار الأهم" الذي يمكن أن يصدر عن مؤتمر جنيف الهادف إلى إيجاد حل لأزمة مستمرة منذ منتصف مارس 2011، وأودت بأكثر من 130 ألف شخص، محذرا من أن المعركة ضد "الإرهاب" في بلاده ستطول، وقال الأسد ردا على سؤال عن احتمال ترشحه لولاية رئاسية جديدة، "بالنسبة إلي، لا أرى أي مانع من أن أترشح لهذا المنصب، أما بالنسبة إلى الرأي العام السوري، إذا كانت هناك رغبة شعبية ومزاج شعبي عام ورأي عام يرغب بأن أترشح، فأنا لن أتردد ولا لثانية واحدة بأن أقوم بهذه الخطوة"، وتابع "بالمختصر، نستطيع أن نقول بأن فرص الترشح هي فرص كبيرة". وأوضح الأسد أنه لا يعيش في القصر القائم على تلة من تلال دمشق، بل يفضل عليه شقته ومكتبه في وسط العاصمة، وردا على سؤال عما إذا كان يوافق على تعيين رئيس حكومة ووزراء من المعارضة الموجودة خارج سوريا في حكومة انتقالية، اعتبر الأسد أن لا صفة تمثيلية لهذه المعارضة وأنها "من صنع" أجهزة مخابرات أجنبية، وقال "الكل يعرف الآن بأن بعض هذه الأطراف التي قد تجلس معنا لم تكن موجودة بل وجدت خلال الأزمة من خلال أجهزة المخابرات الأجنبية سواء في قطر أو في السعودية، أو في فرنسا أو في الولاياتالمتحدة ودول غيرها، عندما أجلس مع هؤلاء فأنا أفاوض تلك الدول، فهل من المعقول أن تكون فرنسا جزءاً من الحل السوري، أو قطر أو أميركا أو السعودية أو تركيا مثلاً هذا الكلام غير منطقي"، وأشار إلى وجود "قوى أخرى معارضة سورية لديها أجندة وطنية، يمكن أن نفاوضها حول ما هي الرؤية لمستقبل سوريا، ويمكن لهذه القوى أن تشارك معنا في إدارة الدولة السورية"، وأضاف "من حيث المبدأ، المشاركة نحن معها وهي شيء جيد"، لكن "كل واحد من هؤلاء يمثل الدولة التي صنعته، ومشاركة هؤلاء تعني مشاركة هذه الدول في الحكومة السورية". وتابع الرئيس ساخرا "لنفترض بأننا وافقنا على مشاركة هؤلاء معارضو الخارج في الحكومة، هل يجرؤون على المجيء إلى سوريا؟ إنهم لا يجرؤون وكانوا يتحدثون في العام الماضي أنهم يسيطرون على 70% من سوريا، ولكنهم لا يجرؤون على المجيء إلى ال70% التي حرروها كما يدعون فهم يأتون إلى الحدود لمدة نصف ساعة ومن ثم يهربون من سوريا، فكيف يمكن أن يكونوا وزراء في الحكومة؟"، وخلص إلى أن "هذه الطروحات غير واقعية على الإطلاق، نستطيع أن نتحدث عنها بصيغة النكتة أو المزاح". وعما هو منتظر من مؤتمر "جنيف-2"، قال الأسد "الشيء البديهي الذي نتحدث عنه بشكل مستمر هو أن يخرج مؤتمر جنيف بنتائج واضحة تتعلق بمكافحة الإرهاب في سوريا، وخصوصا الضغط على الدول التي تقوم بتصدير الإرهاب عبر إرسال الإرهابيين والمال والسلاح إلى المنظمات الإرهابية، لا سيما السعودية وتركيا، وطبعاً الدول الغربية التي تقوم بالتغطية السياسية لهذه المنظمات"، وقال "هذا هو القرار الأهم أو النتيجة الأهم التي يمكن لمؤتمر جنيف أن يخرج بها"، معتبرا أن "أي نتيجة سياسية تخرج من دون مكافحة الإرهاب ليس لها أي قيمة". وأشار إلى أن بلاده تخوض معركة ضد الإرهاب "لا نستطيع أن نتحدث عن الانتصار" فيها "قبل أن نقضي على الإرهابيين"، وأوضح أن "ما خطط له في البدايات وهو إسقاط الدولة السورية خلال أسابيع أو خلال أشهر هذه المرحلة بكل تأكيد فشلت وانتصر فيها الشعب السوري، ولكن هناك مرحلة أخرى من المعركة وهي مكافحة الإرهاب، وهذه المرحلة نعيشها اليوم بشكل يومي، ولم تنته بعد"، وقال الأسد "نستطيع أن نقول بأننا في هذه المرحلة نحقق تقدماً، نحن نسير إلى الأمام ولكن هذا لا يعني بأن النصر قريب، هذا النوع من المعارك معقد وليس سهلاً وبحاجة لزمن طويل". وأضاف الأسد "في أي معركة، احتمالات الخسارة والربح واردة دائماً، ولكن عندما تدافع عن بلدك، فمن البديهي أن تضع احتمالاً وحيداً هو احتمال الربح، لأن خسارة سوريا لهذه المعركة تعني فوضى في كل منطقة الشرق الأوسط"، وكرر القول أن ما يجري في سوريا "ليست ثورة شعبية كما كان يُصور في الإعلام الغربي، بأنها قضية ثورة شعبية ضد نظام يقمع الشعب وثورة من أجل الديمقراطية والحرية وكل هذه الأكاذيب الآن أصبحت واضحة للناس، لا يمكن لثورة أن تستمر ثلاث سنوات وتكون شعبية وتفشل". ورفض الأسد التمييز بين مقاتلين معتدلين ومتطرفين في المعارضة، قائلا "لا توجد فئتان اليوم نحن أمام جهة واحدة هي القوى المتطرفة بالمختصر نحن نقاتل طرفاً واحداً هو المنظمات الإرهابية المتطرفة بغض النظر عن تسميات الإعلام الغربي"، وبرر الأسد مشاركة حزب الله اللبناني في القتال في سوريا، بدخول "العشرات من الجنسيات من خارج سوريا" للقتال فيها، مشيرا إلى أن أصحاب هذه الجنسيات "قاموا بالاعتداء على المدنيين في لبنان وخصوصا على الحدود السورية وعلى حزب الله"، إلا إنه أشار إلى أن "خروج كل من هو غير سوري خارج سوريا" هو "أحد عناصر الحل". وأوضح الأسد أن ذلك سيكون من ضمن "سلّة متكاملة تهدف إلى خروج المقاتلين وتسليم كل المسلحين سلاحهم إلى الدولة السورية". وعما إذا كان الوضع الأمني سيسمح بإجراء الانتخابات الرئاسية بعد أشهر، قال الأسد "الطرق بين المناطق مفتوحة، وكل الناس تستطيع أن تتحرك، فيستطيع الأشخاص الذين يتواجدون في مناطق ساخنة أن يأتوا إلى المناطق المجاورة القريبة ويقوموا بعملية الانتخاب"، وأضاف "يكون هناك صعوبات، ولكنها ليست عملية مستحيلة". وردا على سؤال حول اتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان موجهة إلى الحكومة السورية من منظمات دولية، قال الأسد "أي منطق ذاك الذي يقول بأن الدولة السورية تقتل شعبها؟ هذا الكلام غير منطقي"، مضيفا "هذه المنظمات لا توجد لديها وثيقة واحدة تثبت بأن الحكومة السورية قامت بارتكاب مجزرة ضد المدنيين في أي مكان منذ بداية الأزمة حتى اليوم"، وتتهم منظمات غير حكومية النظام ومقاتلي المعارضة بانتهاكات عديدة قد ترقى إلى "جرائم حرب". وقال الأسد إن "الجيش لا يقوم بقصف مناطق، الجيش يضرب الأماكن التي يوجد فيها الإرهابيون أما بالنسبة إلى سقوط المدنيين ضحايا، فهذا للأسف يحصل في كل الحروب لا يمكن أن يكون هناك حروب نظيفة لا يسقط فيها ضحايا من الأبرياء المدنيين لذلك الحل هو في إيقاف الحرب، لا يوجد أي حل آخر". على صعيد آخر، حمل الرئيس السوري بقوة على فرنسا، متهما إياها بالتحول الى "دولة تابعة" لقطر والسعودية بسبب "البترودولار". وقال الأسد إن من الجوانب التي لم يتمكن من فهمها خلال الحرب الممتدة منذ حوالى ثلاث سنوات في بلاده "تأثير البترودولار على تغيير الأدوار على الساحة الدولية، فمثلاً تتحول قطر الدولة الهامشية إلى دولة عظمى، وتتحول فرنسا إلى دولة تابعة لقطر تنفذ السياسة القطرية وهذا ما نراه الآن بين فرنسا والسعودية". كما اتهم فرنسا بتنفيذ السياسات الأمريكية، مضيفا "لا أعتقد أن فرنسا سيكون لها دور بالقريب العاجل حتى تبدل سياساتها بشكل كُلي وبشكل جذري وحتى تكون دولة مستقلة بسياساتها". وأكد الرئيس السوري أنه لم يفكر يوما ب "الهروب" من سوريا، وقال إن كل السيناريوهات التي وضعها منذ بداية الأزمة في منتصف مارس 2011 "هي سيناريوهات حول الدفاع عن الوطن وليس حول الهروب لا يوجد خيار للهروب في مثل هذه الحالات، يجب أن أكون في مقدمة المدافعين عن هذا الوطن".