إذا كان التاريخ قابلا للتزييف، فإنه قابل للتصحيح أيضاً. التاريخ الآن يصحح كثيرا من الأخطاء التى وقع فيها كثيرون، كأن تكون «حماس» جماعة مقاومة للعدو الصهيونى. «حماس» تعرى نفسها الآن مثلما يعريها من صنعها، «حماس» تأخذ الشكر والامتنان من إسرائيل واللعنات من مصر، «حماس» تمنع فصائل المقاومة من مهاجمة إسرائيل، وتوجه نيرانها ومؤامراتها صوب الجيش المصرى الذى دفع ثمناً باهظاً لأجل فلسطين.. هذا ليس رأياً شخصياً إنما وقائع منشورة ومثبتة بما لا يدع مجالاً لتأويلها أو الشك فيها. ومن هذه الوقائع ما نشره الزميل أشرف أبوالهول فى «الأهرام» يوم 30 ديسمبر 2013، بعنوان: «الإسرائيليون يشيدون بدور حكومة هنية»، ما يفتح الباب أمام أسئلة مهمة عن تاريخ «حماس» وعلاقتها بالكيان الصهيونى ودورها فى تمزيق وحدة الفلسطينيين وارتباطها بجماعة الإخوان الإرهابية، ردت «حماس» سريعاً على قرار مصر باعتبار «الإخوان» جماعة إرهابية على لسان فوزى برهوم، الناطق باسم الحركة: «إننا نعتز ونفتخر ونتشرف بانتمائنا إلى هذه المدرسة وفكر هذه الجماعة، وإلى كل الذين يعيبون علينا انتماءنا للإخوان...»، تبع ذلك إعلان إسماعيل هنية «التمسك بالجماعة فكراً وتنظيماً». لا أعرف من بالضبط توقع أن تعلن «حماس» فك ارتباطها وتبعيتها عن الجماعة الإرهابية وهى جناحها المسلح! ومثلما تأسست جماعة الإخوان بهدف تفتيت وتمزيق الأوطان العربية، تأسست «حماس» وقبلهما تأسس الكيان الصهيونى ليكون سهماً مسموماً فى ظهر الأمة. تاريخ «حماس» وحاضرها وممارساتها على الأرض تكشف عن كم مفزع من الخيانة للوطن بل ولقادتهم أيضاً. فى عام 1965 اعتقلت المخابرات المصرية أحمد ياسين ثم أطلقت سراحه بعد نكسة 1967 فالتقطته إسرائيل. يقول الباحثان الإسرائيليان شاؤول ميشيل وإبراهام سيلا: «شجعت إسرائيل فى نهاية الستينات ظهور تنظيم الإخوان فى غزة، وجعلت (ياسين) يطوف بإسرائيل (فلسطين) لكى يلقى الخطب». ويقول المستشرق الأمريكى روبرت داريفوس: إن إسرائيل منحت «ياسين» عام 1973 تصريحاً رسمياً من الشين بيت لإنشاء المركز الإسلامى الذى سيطر على المساجد والمدارس، وإن حكومة مناحم بيجن قدمت كل الدعم للحركات الإسلامية، وفى المقدمة الإخوان؛ ففى فترة الثمانينات كان كل عمل الإخوان هو قتال المنتمين لمنظمة التحرير، وحدثت أعمال عنف دامية فى الجامعات الفلسطينية.. وفى عام 1983 اعتقلت إسرائيل أحمد ياسين وصدر ضده حكم بالسجن لمدة 30 عاماً، لكن المفاجأة أنه خرج بعد أقل من عام.. ثبت بعد ذلك أن الأسلحة المضبوطة فى منزل ياسين كانت موجهة إلى منظمة التحرير وليس إلى الإسرائيليين، وفقاً لمعلومات أجهزة الأمن الإسرائيلية وبالاعتراف ياسين نفسه.. بعد تأسيس «حماس» عام 1986 بمعرفة المخابرات الإسرائيلية، تدفقت أموال الأثرياء العرب على هذه الحركة، ظناً أنها مقاومة إسلامية للمحتل.. ويعترف القنصل الأمريكى السابق فى القدس، فيليب ويلكوكس، بأن بلاده تعاونت مع «حماس» وأن أجهزة الأمن الإسرائيلية كانت تدعم «حماس» لضرب منظمة التحرير.. ياسر عرفات كان يعرف ذلك وقال لصحيفة إيطالية إن «رابين» اعترف بدعم إسرائيل ل«حماس» مادياً وأمنياً أمام حسنى مبارك وأتبع الاعتراف بالندم على ذلك. نجحت إسرائيل، بتأسيسها ل«حماس»، فى شق الصف الفلسطينى وتدمير منظمة التحرير وحافظت على نظرة الغرب إليها باعتبارها دولة ديمقراطية تواجه جماعات إرهابية، بقاء «حماس» يعنى بقاء فلسطين محتلة، وروى ضابط الموساد الإسرائيلى فيكتور أوستروفسكى أن اليمينيين فى الموساد رأوا فى السبعينات أن شعبية أنور السادات يمكن أن تجبر إسرائيل على أن تترك الأراضى التى ترغب فى الاحتفاظ بها، ومن ثم ينبغى دعم الجماعات الدينية فى مصر بشكل سرى، هذا كلام مهم وخطير ويدلنا على حجم ما وقعنا فيه من كوارث جراء وجود هذه الجماعات فى أوطاننا. يكمل أوستروفسكى: تماشى ذلك مع خطة الموساد الرامية إلى أن تخطف جماعة الإخوان الشارع الفلسطينى من منظمة التحرير.. وهذا الأمر تحقق فى فترات أهمها ما حدث على يد شارون الذى قرر أن يكون رئيساً للوزراء بمساعدة «حماس».. قام شارون بزيارة إلى المسجد الأقصى فى سبتمبر عام 2000، وعلى الفور اندلعت الانتفاضة الثانية، ومن خلالها قامت «حماس» بعدة عمليات دفعت الإسرائيليين إلى دعم شارون الذى فاز باكتساح بسبب الهاجس الأمنى. ورداً للجميل قام شارون بالتضييق على ياسر عرفات وكذلك فعلت إدارة الرئيس جورج بوش.. بعد ذلك ارتفعت شعبية «حماس» بصورة كبيرة وفقاً لاستطلاع جامعة «بنزرت»، وبلغت نسبة التأييد لها فى فلسطين 42 فى المائة عام 2002 مقابل 15 فى المائة عام 1996. كان شارون يسعى بكل طاقته لتصعيد «حماس» لضمان موت السلطة الفلسطينية، وكلما توصلت «فتح» إلى اتفاق مع «حماس» كانت إسرائيل تفشله. فى عام 2004، كشفت تقارير إسرائيلية عن أن «حماس» أقوى من «فتح» فى غزة، فقرر شارون الانسحاب من القطاع مفسحاً الطريق أمام «حماس» لتنفرد بالقطاع بعيداً عن السلطة الفلسطينية، وهو ما تم بالفعل. كانت إسرائيل أكبر داعم لجماعة الإخوان فى المنطقة؛ فضابط المخابرات الأمريكية روبرت باير يقر بأن المسيحيين اليمينيين فى لبنان مع جيش لبنان الجنوبى وفروا الدعم والحماية للإخوان فى بيروتالشرقية. جيش الجنوب اللبنانى كان يتكون من المسيحيين مع أقلية شيعية ويقوده الرائد سعد حداد الذى اعترف بعد ذلك بتمرير الدعم الإسرائيلى للإخوان. أنشأت إسرائيل معسكرات لتدريب الإخوان فى لبنان تحت إشراف الموارنة الموالين لإسرائيل وفى الأردن بدعم من الملك حسين الذى اعتذر عن ذلك فى خطاب وجهه للرئيس حافظ الأسد الذى هاجم الأردن كثيراً بسبب ذلك، خصوصاً بعد التفجير الذى وقع فى دمشق عام 1981 وفقاً لكتاب «لعبة الشيطان»، طبعاً لا يغيب عن الذاكرة الدعم الكبير الذى قدمته إسرائيل لإيران فى حربها مع العراق، والعلاقة بين إيران و«حماس». إذا ما تأملنا ما جاء فى تقرير الزميل أشرف أبوالهول فى «الأهرام»، سنكتشف أن الإشادات التى وُجهت من إسرائيل إلى «حماس» ونشرت فى الصحف العبرية تشى بشيئين مهمين، الأول: أن «حماس» تعتبر إسرائيل أعز عندها من مصر وفلسطين؛ حيث منعت أى هجمات تنطلق من غزة ضد الكيان الصهيونى فى الوقت الذى تحارب فيه مصر وتعتقل أبناء «فتح». والثانى: أن إسرائيل لا تزال تمسك بزمام الأمور فى هذه المنظمة، وكما جاء فى تقرير «الأهرام» المستند إلى ما كتبه أليكس فيشمان فى صحيفة يديعوت أحرونوت يوم 27 ديسمبر عام 2013، وما جاء فى افتتاحية الصحيفة نفسها يوم 25 من الشهر نفسه، وافتتاحية صحيفة هآرتس يوم 26 من الشهر نفسه.. وجميعها تشيد بدور «حماس» فى حماية الحدود من خلال قيام رجال الأمن التابعين لحكومة إسماعيل هنية فى غزة بمنع المسلحين من الفصائل الفلسطينية الأخرى من إطلاق الصواريخ والقذائف فى اتجاه المواقع والبلدات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة.. معتبرين «حماس» خير من يقوم بدور الحارس الأمين لحدود غزة.. يتضح من كل ذلك أن إسرائيل كانت ولا تزال تستخدم هذه التنظيمات لتسهم معها فى وأد دولة فلسطين وشغل العرب فى حروب داخلية.