كما للحروب ضحايا وشهداء، لصوص وأثرياء، للثورات أيضاً ضحايا وشهداء، لصوص وأثرياء وراقصون على طبول الوطن المنهك المتعثر. فإذا تأملنا ثورة 25 يناير، نستطيع ببعض الصعوبة أن نرصد الشهداء الذين مات بعضهم فى غفلة؛ لأنهم لم يخرجوا فى قتال، يَقتل أو يُقتل، بل كانوا فى أيام الثورة الأولى أصحاب أحلام نقية بسيطة ومشروعة من أجل المستقبل وبعد ذلك فى محمد محمود وماسبيرو ومجلس الوزراء كان يضع بعضهم احتمالات الشهادة ولديه استعداد للموت من أجل الوطن بعد أن استعذبوا طعم الحرية وبين هؤلاء، اندس بعض الدخلاء واللصوص والمسجونين الهاربين، ولم يستطع أحد أو يجرؤ حتى الآن على عملية الفرز والإعلان عن هذا التصنيف، فالخطأ فى هذه المنطقة قاتل ومؤلم. أما الضحايا، فهم كثر، ليس من المصابين فقط، ولكن هذا الشعب الذى حرم من جنى ثمار الثورة بدم الشهداء بسبب أيادٍ كثيرة من بينها من أريد أن أتحدث عنهم اليوم. كثيرون امتطوا ظهر الثورة بعد يوم 28 يناير، وقرروا أن يعلنوا أنفسهم ثواراً، سواء باستغلال الإعلام، أو باحتواء شباب الثوار وإغرائهم بالمال والمجد والوظيفة. تأملوا رجل الأعمال الذى كون ملياراته فى ظل النظام السابق، مستغلاً كل الثغرات منافقاً مغازلاً للرئيس وابنه، متأرجحاً بين التأييد لنظام يتهاوى، كان يخشى من أن يستعيد سيطرته، وثورة تتكون ملامحها فى الأيام الأولى، وتقول مؤشراتها إن الانتصار سيكون لها، فصرخ بأعلى صوته، مؤيداً، دافعاً، مدفوعاً، ليعتلى المنصة ويصبح من الصعب الاقتراب منه، لا يختلف هذا الملياردير كثيراً عن ذلك رجل الأعمال المثقف الذى قدم الكثير تحت أقدام النظام السابق وقدم العطايا للهانم، السيدة الأولى، حتى يصبح وزيراً وخاب أمله، فاحتضن الشباب وأنفق على الندوات والبرامج والتمويل ليحصل على لقب الثائر العجوز. وبالطبع أنت فى غنى عن ذكر أسماء وصفات لرجال الأعمال الذين ساهموا فى إفساد النظام وسرقة البلاد، وخرجوا علينا جميعاً ليعلنوا أنهم كانوا ضحايا ومقهورين وضد النظام. فإذا اقتربت من الإعلام ستجد «الاستربتيز» فى أبهى صوره، فمن كانوا ينامون فى أحضان النظام بالرخصة والكارنيه داخل الشقق المفروشة، أصبحوا فجأة أبطال الثورة، المناضلين، الذين لم يأكلوا الكنتاكى فى الميدان، هم وأزواجهم وأبناؤهم أصبحوا ثواراً -وراثة- أقصد النفاق والكذب والخداع. الثورة كانت فرصة لأصحاب التاريخ الملوث، كى يطهروا أنفسهم كذباً ورياء.. هم الطرف الثالث المعلن، ولكن لا أحد يقترب منهم، فالأحداث متلاحقة، كل يوم مصيبة وخناقة وأزمات اقتصادية، فلا وقت لتطهير الثورة التى لن تنجح إلا لو كشفت كل الأقنعة، وواجهنا أنفسنا حتى يستريح الشهداء، وينفض الوطن هذا الغبار السام الذى يغلق مسام الوطن الجريح، المتعثر. وأجد من الضرورى التأكيد على أننى لست من الثوار ولم أكن ولا أعرف كيف أكون ثائراً، كل ما كنت أملكه هو القلم، ولم أصدق أو أستوعب أننى أمام ثورة إلا يوم 29 يناير، وكان الوقت قد فات وأصبح من المستحيل أن أفعل ما كنت أتمناه لنفسى فى المكان الذى حلمته، فخذلت نفسى، وأحاول الآن أن أحفظ ما تبقى له من أمل فى أن يكون أولادى أفضل منى فى وطن أفضل مما عشنا فيه.