شاء قدرى، يا فخامة الرئيس، ألا يصمت لسانى.. ولست أدرى إن كان هذا مستحباً أو مكروهاً.. ولكن علمتنا الأيام وسطور التاريخ أن إزعاج الفراعين مكروه.. وأن إخراس أصوات الإزعاج فرض فرعونى على كل الكهنة ومن والاهم.. وقد أثبتت الأيام أن خرس الأصوات، لم يكن فخامتك فى صالح البلاد ولا العباد.. ولا حتى فى تأمين حكم أى فرعون، أنت واثق، فخامتك، أن كل رجال الاستخبارات فى العالم ووزراء أمن العالم غرباً، المعروفين بوزراء البطش فى عالمنا المتخلف، قد برعوا وازدادوا براعة ونبوغاً فى أن الأمن يكون لكل الأوطان والرعايا.. أما لدينا فإن نبوغ وبراعة جناب حضرة وزير الأمن ينحصر فى أمن فخامة من يجلس على العرش الفرعونى، مع كل الاعتذار لجموع الشعب، فهو فى كل الدساتير محل اختيار الفرعون.. حتى الدستور الأخير أصر واضعوه أن يكون رغماً عن الجميع برلماناً كان أو كبير الوزراء.. المهم يبقى جناب حضرته اختيار فخامتكم.. ففى اللحظة التى يؤدى فيه جناب حضرة وزير الأمن قسَمه أمام فخامتكم.. سيقدم إليكم فروض الولاء والطاعة.. وفى مقدمة هذه الفروض التنكيل بمعارضى فخامتكم، معززاً ذلك بخبرته فى الكشف عما يدور فى نوايا البشر وصدور المعارضين.. فهو رجل ذو قلب من حديد، لا يعرف للرحمة قانوناً.. ولا للعفو دستوراً.. وإنما اتخذ من القمع والبطش منهجاً وعرفاً.. ومن هنا تطمئن بأن فخامتكم تحيطكم رعاية جنابه.. مهما ارتكب من جرائم فى حق الرعايا.. فكل شىء مباح حماية لكم.. فتأمين فخامتكم مهمة مقدسة.. سطرها الفراعين من قبل على جدران المعابد.. وظلت كذلك بعد موتهم محفوظة فى أمان.. حتى سرقت فى زماننا هذا على أيدى رموز ونجوم الحكم وكهنة أكثر الحكام جلوساً على عرش الفرعون فى زماننا هذا.. سيجعل وزير الأمن العالم كله بين يديك.. وكل ما يدور داخل صدور البشر وما يخرج من أفواههم مراقب ومسجل.. فقد قالها من قبل جنرال أمنى فى حوار صحفى ما نعرفه عن البشر لا يعلمه إلا الله.. وإذا حدثتك عن الحياة الخاصة للناس.. كان رده على فخامتك أن أمنك المقدس يعلو فوق الرؤوس والرقاب.. ستستمتع بعرض جنابه وهو يشرح لك خطة تخريب وتشتيت وتقسيم الأحزاب من داخلها، فلا يعقل أن ينافس كهنة فخامتكم أحزاب أو أشخاص.. وستنفرج أساريرك عندما تقرأ كيف سيجعل لرجال الدين مهمة واحدة ألا وهى طاعة أولى الأمر حتى ولو خالفت الشرع.. لا تقلق يا فخامة الرئيس، فإذا كان لكل إنسان كتاب فى الآخرة.. فأيضاً لدى جناب وزيركم لكل إنسان من معارضيك ملف مكتوب ومصور.. ومسموع.. لكنى سعيد بذكاء وفطنة فخامتكم بعدم مصارحتكم له بأنه أيضاً له ملف مكتوب ومسموع ومصور فى خزانتكم، قدمه لكم آخر يراقبه.. أقول لفخامتكم إن الزمان وما أروعه من معلم قد أثبت لنا أن عدو الوطن لن يكون أبداً من أبناء الوطن.. ويوماً سطر لنا التاريخ القريب كيف أن أحدهم قد برع وتفوق فى أسلوب السيطرة بمثل هذه الأعمال على الفنانات والكتاب والمعارضين والساسة حتى إنه اجتهد وانفرد فى دراسات السمو الروحى وتحول إلى جلاد ومسيطر تفوق سيطرة الفرعون فى ذاك الوقت كان من أسباب نكسة دفعت فيها البلاد والعباد كل غالٍ.. ويقص عليك أيضاً كتاب التاريخ كيف برع فرعون السبعينات فى قضية التفاحة.. ويقص لنا أيضاً التاريخ كيف أن نزاعاً بين ابن فرعون وإمبراطور فى دنيا المال صدّر لنا مشاهد إن دلت على شىء، فإنما تدل على نشر ما يتطلب شرعاً ستره.. فخامتكم: تأكد أن مَن يتخذ من هذا منهجاً، فهو يسطر فى تاريخه جرماً يفوق جرائم الحكام، سيحاكم يوماً عنه ولن يكون حضرة جناب وزيركم، إلا شاهداً عليكم، ألم تقرأ سطور حيثيات محاكمة القرن.. كم من قصص يرويها لنا التاريخ ولا نتعلم ولا نتعظ منها، يا فخامة الرئيس.