خلف الأسلاك الشائكة وسط صحراء النقب، تستعد إسرائيل لطرد محتجزين. العشرات من الأفارقة -معظمهم من أرتيريا والسودان- يقيمون في مركز "حولوت" للاحتجاز.. أحلامهم في العثور على حياة أفضل في إسرائيل تبددت الآن. توموزجي أمان هو أحد هؤلاء المحتجزين في المعسكر. "أمان"، البالغ من العمر 36 عاما، فر من بلاده أرتيريا قبل أكثر من ثلاث سنوات، وشق طريقه إلى إسرائيل بعد رحلة مضنية، ملؤها الخوف عبر السودان وصحراء سيناء المصرية. عمل طوال عام في منجم نحاس، إلا أن الشرطة ألقت به في السجن. الآن يمضي أيامه قابعا في مركز "حولوت" الذي يبعد عشرات الكيلومترات عن أي مركز حضاري. "أمان" تحاصره شبكة من البيروقراطية تحول بينه وبين مغادرة المركز، وتمنع إسرائيل من طرده من البلاد. وقال "أمان" عبر السياج: "أعتقد أن هذه الحكومة قد أصمت أذنيها، أغلقت قلبها، لا أعتقد أن ثمة حل"، لكن سرعان ما سحبه الحراس الأمنيون. وقال فيما بعد، وهو جالس على مقعد خشبي خارج بوابة المعسكر حيث يسمح للمحتجزين بالتجول في المكان، إن "الحياة في إسرائيل صعبة جدا، وحتى في تل أبيب". وأضاف: "عندما اجتزت الحدود، عندما تسللت عبر الحدود.. قال الجنود حسنا، لا مشكلة. لكن بعدما رفضت الحكومة تسليمي أوراق العمل بقيت دون إذن عمل، نحن نعاني، نعاني". الإحباط الذي يعتري المهاجرين الأفارقة الآخرين تحول إلى احتجاجات هذا الأسبوع، فقد نزل إلى الشوارع في تل أبيب نحو عشرة آلاف شخص، مواجهين الدولة الإسرائيلية بأسئلة جوهرية حول هويتها: من هو اللاجيء؟ وأليس من واجب اليهود استيعابهم في ضوء تاريخهم هم؟ يقول الأفارقة، ومعظمهم من أرتيريا والسودان، إنهم فروا من الصراعات والاضطهاد ويسعون إلى الحصول على وضع لاجيء. إسرائيل تقول إنهم مجرد مهاجرين يبحثون عن عمل. بدأ تدفق اللاجئين على إسرائيل عام 2007، وتزايدت أعدادهم حتى بنت إسرائيل سياجا أمنيا على طول الحدود مع مصر عام 2012. ومع أن تدفق اللاجئين توقف، إلا أن ثمة 54 ألف أفريقي لا يزالون في البلاد، وهو رقم كبير مقارنة بسكان البلاد البالغ ثمانية ملايين نسمة. في البداية، تسامحت إسرائيل مع الوافدين الجدد وسمحت لهم بالدخول وتغاضت عن الكثيرين الذين حصلوا على فرص عمل في الفنادق والمطاعم. ولكن مع تكاثر أعدادهم، بدأ الإسرائيليون يخشون من أن تدفق هؤلاء قد يغير ما يسمونه ب"الطابع اليهودي" للدولة. النائب اليميني ميري ريجيف وصف المهاجرين بأنهم "سرطان". ولا يزال معظم المهاجرين الأحرار يقطنون في الأحياء الفقيرة جنوبي تل أبيب. لكن ما يقدر بنحو ألفي شخص، وهم ممن وصلوا البلاد بعد تمرير قانون مكافحة التسلل الصادر عام 2012 أو أولئك الذين انتهت تأشيراتهم، احتجزوا في مركز احتجاز "حولوت" المحاذي لسجن "شارونيم". افتتح "حولوت" الشهر الماضي، بعد أن قضت المحكمة العليا في إسرائيل بأن الأفارقة يحتجزون على نحو غير قانوني في السجن المجاور. ويفترض أن يكون مركز "حولوت" منشأة مفتوحة، إلا إن المحتجزين يقولون إن ظروفهم لم تكن أفضل حالا. ويسمح للمقيمين بالمغادرة لكن عليهم التوقيع ثلاث مرات في اليوم والعودة عند المغيب. المعسكر محاط بسياج مزدوج، تعلوه أسلاك شائكة وخاضع لحراسة أمنية. البرد قارص في الشتاء، وفي الصيف ترتفع درجة الحرارة إلى أكثر من 40 درجة مئوية. كل عشرة نزلاء تؤيهم غرفة والكل يشترك في حمام واحد. كل من يخالف التعليمات يرسل إلى سجن "شارونيم" حيث الظروف أشد قسوة. وقال "أمان"، إن "(الحرس) يجعلوننا نعاني، يضغطون علينا. لقد قلت لك هذا في السابق. على سبيل المثال لا يتوفر شيء هنا. لا أطباء. الآن كسر لي ضرس ولا يتوفر طبيب أسنان". ومع أنهم سمحوا له بالعثور على طبيب أسنان، إلا أنه لا يملك المال ولا أجرة المواصلات. في حال عدم رده عند مناداة اسمه، سيعاد إلى السجن القريب كنوع من العقاب. المدينة الأقرب هي بئر السبع الواقعة على بعد سبعين كيلومترا، ولا تتوفر فيها الكثير من الخيارات كالعمل أو الحصول على الرعاية الصحية. وفي مقابلة خارج المعسكر، قال "أمان" إنه قدم إلى إسرائيل بعدما أجبر على الخدمة في الجيش الإريتري أثناء حربها ضد إثيوبيا. وفي وقت لاحق، قضى بعض الوقت يقاتل لصالح جماعة إريترية معارضة، قبل أن يتوجه إلى إسرائيل. وقبل نحو ثلاثة أعوام، قال "أمان" إنه عثر على وظيفة في منجم نحاس بالقرب من مدينة إيلات الجنوبية. ولكن بعد تجربته في السجن، انهارت معنوياته. وفي حين تقول إسرائيل إنها تريد ترحيل الأفارقة، يحظر القانون الدولي عليها إعادة هؤلاء إلى بلدانهم لأن حياتهم ستكون معرضة للخطر. ومع عدم تطوع أية دولة لاستقبالهم، يقول نقاد إن إسرائيل تتباطئ في مراجعة أوضاعهم كلاجئين. واتخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موقفا متشددا حيال الاحتجاجات الأخيرة. وقال لأعضاء في حزبه هذا الأسبوع، إن "التظاهرات أو الإضرابات لن تجدي. هؤلاء الناس ليسوا لاجئين، نتعامل معهم وفق المعايير الدولية". وأضاف "نتنياهو": "نحن بصدد الحديث عن مهاجرين غير شرعيين يتسللون بشكل غير قانوني، ونحن عازمون على معاقبتهم بالحد الأقصى من القانون". وقال (الخط الساخن للعمال المهاجرين)، وهي جماعة حقوقية، إن إسرائيل وافقت على أقل من 1% من طلبات اللجوء من مختلف الدول خلال الأعوام الأربعة الماضية. في المقابل، تم الاعتراف بأكثر من 80% من مطالبات لجوء الإريتريين ونحو 70% من السودانيين في مختلف أرجاء العالم، بما في ذلك دول غربية مثل الولاياتالمتحدة والنرويج وإيطاليا، وفقا لوكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. وتعتبر جماعات حقوقية أريتريا واحدة من أكثر الدول التي تتعرض للقمع في العالم، بسبب حملات القمع التي تستهدف المعارضين السياسيين ووسائل الإعلام المستقلة، وانتهاكات الحريات المدنية، فضلا عن إجبار الرجال على التجنيد لسنوات. أما السودان، فقد مزقتها الانقلابات والحرب الأهلية التي خلفت مئات الآلاف من القتلى. وتتهم المحكمة الجنائية الدولية الرئيس السوداني عمر البشير بارتكاب جرائم حرب. من جانبها، قالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إن وزارة الداخلية تفحص المئات من طلبات اللجوء، بالتنسيق مع المفوض الأممي السامي لشؤون اللاجئين، مشيرة إلى أن كافة الطلبات "تعالج بشكل شامل وكامل" وأن إسرائيل تحترم كافة الالتزامات القانونية الدولية. وأضافت وزارة الخارجية أن مجيء الناس الذين يعانون سجلا بائسا في حقوق الإنسان لا يعني أنهم يتحولون إلى لاجئين بشكل تلقائي.