حينما يغيب القانون، وتسقط هيبة الدولة ويقف الأمن عاجزاً عن حماية الوطن، تتجه الأنظار إلى «جلسات الصلح العرفى»، أو ما يُعرف ب«جلسات الإذعان بالذل»، حسب قولهم، لمعالجة المشاكل الطائفية التى تتنقل من قرية إلى قرية، ومن محافظة إلى محافظة.. وهى معالجة سطحية لجرح غائر. وشهدت محافظة المنيا فى الأيام الأخيرة من العام الماضى، 3 جلسات عرفية رفضها الأهالى، لأنها غير مجدية، حسب رؤيتهم، وليست ذات قيمة، خصوصاً بعد أن رفضت الكنيسة حضورها أو متابعتها إلا من بعيد. وكانت الجلسة الأولى بدعوة من «الجماعة الإسلامية» لحل الأزمة التى نشبت بين عائلة على حسين «هولاكو» وعائلة «مرزوق» بقرية نزلة عبدالمسيح التابعة لمركز ديرمواس، بعد اشتباكات بين الجانبين، سقط على أثرها 4 قتلى و6 مصابين، وقُتلت جميع الماشية التى يمتلكها الأقباط. وخلال الجلسة تم الاتفاق على حقن الدماء بين الجانبين وترك عائلة مرزوق تعيش بشكل طبيعى وتسلم أراضيها، لكن فور بدء تطبيق الشروط لم تلتزم بها عائلة على حسين، وهاجموا العائلة الأخرى بالأسلحة النارية بشكل يومى فى ظل حماية رجال الشرطة. والجلسة الثانية، كانت لوأد فتنة قرية بنى أحمد الشرقية، التى نتج عنها إصابة 17 شخصاً وحرق 9 منازل و5 سيارات وتحطيم 6 محلات، واتفق الطرفان خلالها على التنازل عن جميع القضايا القائمة بينهما فى المحاكم وأقسام الشرطة، ووضع شرط جزائى يُقدر بمبلغ 2 مليون جنيه فى حالة التعدى من أى طرف على الآخر بشهادة الشهود أو بحلف اليمين فى حال عدم وجود شاهد، وأن من يتسبب فى نشوب أى فتنة بين أهل القرية يُطرد منها برضا الطرفين، وذلك بالرجوع إلى اللجنة وصدور حكم بذلك. وكانت جلسة الصلح الثالثة، فى أزمة نزلة عبيد والحوارتة التى سقط على خلفيتها 4 قتلى بينهم أرملة، وأصيب 27 آخرون، بينهم 20 من الأقباط، وعُقدت بقرية عرب الشيخ محمد، وأسفرت الجلسات التمهيدية لإتمام الصلح عن وضع 6 شروط، منها التعهد بعدم العودة لأسباب النزاع مرة أخرى، وعدم خروج أقباط قرية «نزلة عبيد» تجاه الجبل بعد الصلح لمدة 15 يوماً على الأقل كنوع من التهدئة، وعدم دخول مسلمى «الحوارتة» من الجسر الغربى منعاً للاحتكاك بأقباط نزلة عبيد لأجل غير مسمى، ودفع مبلغ 110 آلاف جنيه لملاك سيارة تم تحطيمها من قِبل مسلمى قرية «الحوارتة» عندما اكتشفوا أن مستقليها من أقباط قرية «نزلة عبيد»، رغم أن مالك السيارة من قرية «نزلة فرج الله» المجاورة، وهى بعيدة عن الصراع، وعدم دفع الدية لأسر القتلى من البلدين حتى بعد الصلح، خصوصاً أن كل طرف سقط له قتيلان، ومطالبة الطرفين بعدم بناء أقباط قرية نزلة عبيد على الحدود مع قرية «الحوارتة» فى مقابل عدم بناء مسلمى «الحوارتة» فى حدود قرية نزلة عبيد. وكانت تلك الجلسات العرفية لمعالجة الفتن الطائفية محل رفض من الكنيسة التى ترى أن أحكامها جائرة وتساوى بين الجانى والمجنى عليه، وتُسقط هيبة الدولة وسيادة القانون، وتُشعر المواطنين بأنهم فى قبيلة تحكمها الأعراف، فى ظل التخاذل الأمنى عن حماية المواطنين، وإن كانت ترى أنها خيار مجتمعى فى المقام الأول، وترفض إجبار الأقباط على أى شىء، فهم أحرار فى تحديد مصيرهم. وقال القس بولس حليم، المتحدث الرسمى باسم الكنيسة، إن الكنيسة تؤكد تحفظها على مثل هذه الجلسات لكونها ليست حلاً جذرياً لمثل هذ المشكلات التى تتكرر كثيراً. أما عن رأى الأقباط حول تلك الجلسات، فقال عماد عبدالمسيح، موظف ب«الإذاعة والتليفزيون»، من قرية نزلة عبيد، ل«الوطن»، إن الأمن يضغط على الأقباط للقبول بجلسات الصلح العرفية، بالرغم من رفضهم لها، مضيفاً: «فى نزلة عبيد ضغط الأمن علينا للموافقة على الصلح بعدم الوجود لحمايتنا أو تجاهُل بلاغاتنا واستغاثاتنا أو تفتيش وانتهاك منازلنا والقبض على بعض الأقباط منا، وتجاه كل ذلك رضخنا للصلح لوقف نزيف الدم ولأننا لا نجد دولة تحمينا، وتجاهلنا رفض الكنيسة لتلك الجلسات التى تُعتبر إذعاناً بالذل لمنع تفاقم الأمور بين القريتين». وأشار إلى أن الصلح العرفى أحكامه جائرة، متابعاً: «فوجئنا مثلاً عند الصلح بأننا ممنوعون من مباشرة أعمالنا لمدة 15 يوماً، وهو الأمر الذى لم نتفق عليه قبل الجلسة، ومع ذلك وافقنا حقناً للدماء ولأننا نعرف أن تلك الجلسة حل مؤقت لأزمة يمكن أن تتفاقم فى أى لحظة، ولا بد من تطبيق القانون للقضاء على تلك الفتن الطائفية وإقامة العدل بين الناس». من جانبه، قال فادى يوسف، رئيس ائتلاف أقباط مصر، إن الائتلاف قدم مشروع قانون إلى رئاسة الجمهورية لمكافحة الفتن الطائفية متضمناً رفض العمل بجلسات الصلح العرفية لأنها تضيّع هيبة الدولة، وتقف حائلاً دون تنفيذ القانون، ولم تأتِ بنتائج إيجابية، بل بالعكس تزيد الاحتقان الطائفى أكثر، لذا نرفض الجلسات العرفية وما يُبنى عليها من قرارات، ونطالب الدولة بتقديم الجناة والمحرضين للقضاء وتطبيق القانون على المجرمين.