تدق أجراس الكنائس، تعلن ميلاد المسيح، ويردد الشمامسة الترانيم: «المجد لله فى الأعالى، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة»، ويطلق الكهنة بخور القدّاس.. ولكن «بأى حال عُدت يا عيد؟»، هذا لسان آلاف الأقباط الذين سيحتفلون بالعيد الرابع عشر بعد الألفين للمسيح، لكن «فوق أطلال كنائسهم»، بعضهم يصطف فى كراسى متراصة يرددون مع الشمامسة الترانيم فى خيمة من القماش، والبعض الآخر يقف فى العراء داخل ساحة الكنيسة التى احترقت، تشم أنوفهم غبار الحرائق أكثر من رائحة بخور القدّاس، ويجتمعون على غصة ألم فى قلوبهم على ما ألمّ بكنيستهم وهم يستمعون إلى كلام الإنجيل: «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، بَارِكُوا لاعِنِيكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ». ما زالت حجارة الكنيسة الأثرية شاهدة على ما ألمّ بها؛ بقايا أيقونة لأحد القديسين بين الأطلال، وبجوارها وريقات تحمل آيات من الإنجيل، وصورة للسيدة العذراء ووليدها، تنطق من بين الركام عمَّن جعل الكنيسة خراباً بعد أن كانت داراً يُذكر فيها اسم الله. يرفع الكاهن بخور القدّاس، ومعه تذهب العقول إلى الرب لينقذهم مما يلاقونه خارج أسوار الكنيسة، يناجون الله: لماذا ندفع نحن ثمن حرية وطننا؟ ليستيقظوا على صوت الكاهن: «أبانا الذى فى السماوات، ليتقدس اسمك، ليأتِ ملكوتك، لتكن مشيئتك..». تسبح عقول المصلين مرة أخرى وهى تسترجع ذكرى اقتحام كنائسهم، وتستيقظ على جملة البابا تواضروس: «ذلك جزء صغير من ثمن الحرية الذى نقدمه لوطننا». هذا يمسك الإنجيل بيده، وتلك تحتضن صليبها، وهم يرددون ترنيمة «مبارك شعبى مصر، ده وعدك من سنين، خيرك أكيد لأنك إله صادق أمين»، ولكن أعينهم مصوّبة إلى أسوار الكنيسة المتهدمة خوفاً من مهاجمتهم من جديد، يحاولون إخفاء خوفهم بتمتمات الصلاة بأن «يحمى الله مصر، وأن يرفع الغمّة، وأن يبارك البلاد»، وهم يسمعون على بعد أمتار منهم أصوات التحركات الأمنية التى تؤمّن صلواتهم. بكلمات عن المحبة والسلام، ومطالبتهم برفع عيونهم لأعلى، وألا يطلبوا من الله انتقاماً، يتحدث الكاهن بجوار مذبح كنيسته المحترق، فى الوقت الذى تخرج فيه الدعوات بتحريم تقديم التهانى لهم بالعيد، ويردد الأقباط جهراً: «أبانا الذى فى السماوات.. نجِّنا من الشرير..».