تسمية هذا النمط من السلوك مشتقة من حادثة كربلاء، والتى قتل فيها سيدنا الحسين، رضى الله عنه، ومعه عدد من آل بيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بطريقة وحشية على أيدى جنود يزيد بن معاوية، وقد قتلوا وهم عطشى فى الصحراء، وفصل رأس الحسين عن جسده ولم يشفع له أنه ابن بنت رسول الله وكونه خرج لقضية عادلة ضحى فيها بنفسه، ولذلك تركت هذه الحادثة أثراً مؤلماً لكل من شاهدها أو عاصرها أو سمع أو قرأ عنها، ولكن طوائف من الشيعة بالغوا فى تضخيم هذا الحدث فى الوعى الفردى والجمعى لأتباعهم وراحوا يحيون الذكرى السنوية بالخروج فى مجموعات من الناس يضربون وجوههم وأجسادهم بالجنازير حتى تدمى ويبكون ويصرخون، وتشكل لديهم فهم خاص جداً للأحداث السابقة والتالية وتشكلت منظومة معرفية دينية متمركزة حول حادثة كربلاء، فتم تعظيم أفراد من آل بيت النبوة إلى درجة جعلتهم فى مقام النبوة أو الألوهية، وفى المقابل تم إسقاط التبجيل والاحترام عن عدد كبير من كبار الصحابة لاتهامهم بالتساهل فى الثأر لدماء الحسين، رضى الله عنه، واستبعدت أحاديث صحيحة، وقدمت عليها نصوصاً ضعيفة لكى تتوافق مع التركيبة المعرفية الكربلائية، وسادت فكرة الإمام الغائب الذى سيخرج يوماً من السرداب ويعود ليقود الشيعة ضد أعدائهم، وانطلاقاً من هذا الحدث (وغيره) انفصلت هذه الطوائف الشيعية بأفكارها وتصوراتها عن التيار الإسلامى السنى العام، لأنهم اعتبروا أن السُّنة قد خانوا دماء الحسين لأنهم لم يقتصوا له ولم يحزنوا بالقدر الكافى عليه ولا يبكون ولا يقطعون أجسامهم فى ذكراه. ورغم فداحة حدث مقتل الحسين، رضى الله عنه، استمرت الدولة الإسلامية ولم يقرر المسلمون وقتها تقسيم أنفسهم بين أنصار الحسين بن على، وأنصار يزيد بن معاوية ولم يضعوا إشارة لهؤلاء وإشارة لهؤلاء ولم يعلقوا صورهم فى بيوتهم أو على صدورهم. وتتلخص مشكلات السلوك الكربلائى فى: التثبيت عند بؤرة الحدث الصدمى، عدم القدرة على الرؤية، عدم التفاعل مع المتغيرات المستجدة، فقد القدرة على التعامل مع الواقع والمستقبل، تخزين وشحن الكراهية، العزلة، الصراع مع الآخر دائماً، التمحور حول الذات وحول الحدث، تقلص مساحة الوعى، البكائية والمظلومية والاضطهادية. وفى التاريخ الإسلامى، نجد أن المسلمين قد مروا بمحنة شديدة فى غزوة أحد ولكنهم لم يتعاملوا معها كبكائية يتم اجترارها ولكن تجاوزوها وتعاملوا مع الأحداث بعدها بشكل صحى وإيجابى، وفى العصر الحديث نرى تجربة هيروشيما وناجازاكى فى اليابان لم تتوقف اليابان عندها لتبكى أو تتباكى ولكن انطلقت إلى آفاق واسعة من التقدم والازدهار، وشبيه بها تجربة ألمانيا حيث انطلقت مرة أخرى بعد أن تم تدميرها بالكامل فى الحرب العالمية الثانية. فهل يمكن أن تؤدى بعض الأحداث المأساوية على الساحة المصرية، مثل فض اعتصام رابعة إلى سلوك كربلائى؟.. أم يتم استيعاب المحنة وتجاوزها والانتصار عليها كما فعل المسلمون الأوائل فى غزوة أحد، وكما فعل اليابانيون والألمان بعد الحرب العالمية؟