أماكن تمر بها دون التفات، تساوي لدى آخرين حياتهم بكل تفاصيلها، أماكن شهدت على حوادث قد لا تثير اهتمامك، عمرت قصورا وأحيت بشرا لدهور، لم تزل مصدرا لغزل حكايات كثيرة، كلمات من قصيدة الشاعر نزار قباني "بتصرف" لتدل على سحر أماكن كثيرة ولكن البعض لا يلقى لها بالا، بل من الممكن أن يكون المحيطون بها على غير دراية بما فيها. إذا مررت بشارع "السيوفية" بمنطقة الخليفة تجد هدوء وسكون لم تشهده من قبل بهذا المكان على العلم بأن المنطقة تعج بالسكان، لكن في حارة "الشيخ خليل" تجد الأمر مختلفاً.. السيارات تسير بهدوء والمباني توحى بالشموخ والثبات، ما يدل على قدم تاريخ المكان الممتد لألاف السنين، هنا يوجد الباب الخلفي لقصر "الأمير طاز"، الذى وصفته الكتابات والوثائق القديمة بباب "سر القصر". "يا بخت مين كان الأمير أخوه" مثل ينطبق على صاحب القصر الأمير "سيف الدين طاز بن قطغاج" فهو أحد الأمراء المشهورين بدولة المماليك البحرية، وبالأخص في عهد أخيه "المظفر حاجي" أحد الأمراء الذين كان بيدهم الحل والعقد في الدولة. "القصر" شهد عدة تحولات في مجرى حياته، السيئ منها والرائع فبعد بلوغ خمسمائة عام على بناء هذا القصر رأت الحكومة الخديوية أن من الجيد إحالة القصر إلي مدرسة للبنات بأمر من "علي باشا مبارك" أحد رواد التنوير في ذلك الوقت، ولكن سرعان ما أخلت وزارة المعارف المكان، لكى تحوله لمخزن بدل معالجته من أثار الإهمال والتهتك التي ظهرت عليه، فخزنت به الكتب نظراً لأتساع مساحته، "الناس علي دين ملوكهم" مقولة لا تنطبق على سكان المنطقة.. فأبناء المنطقة لا يحترمون التراث.. فيلقون بداخله الحيوانات النافقة والخردة، لم يحتمل القصر كل هذا الهوان وهو الذي شهد مئات السنين من النعيم فانطوي علي نفسه بعد أن مالت الكثير من جدرانه وانهارت العديد من غرفه. في عام 2002 انهار جانب كبير من الجدار الخلفي للقصر والمطل علي حارة ضيقة بها عشرات البيوت المتهالكة يسكنها آلاف المواطنين الذين أصبحت حياتهم مهددة بالخطر بعد أن صار الانهيار الكامل للقصر مسألة ساعات لا أكثر.. ووزارة الثقافة بدأت مشروع ترميم القصر بعد نسيانه فترات طويلة ولم تكتفى بعملية الانقاذ والترميم ، لكن المفاجأة الأكبر كانت في الاكتشافات الأثرية المهمة التي واكبت ذلك وأدت إلي إزاحة الستار عن المزيد من خبايا القصر.. العمل الذي تم إنجازه بشكل رائع بكل المقاييس، يذكر أن عملية الترميم قامت على أيدى مصريين ومعظمهم من خريجي قسم الترميم بكلية الآثار. أصبح القصر يعيش حالة من الانتعاش.. يقام به العديد من الحفلات للاحتفال بالموسيقى العربية، كما يقام العديد من ورش العمل للأطفال كالرسم والغناء والنحت بالمجان، وبعض الندوات واللقاءات السياسية بعد ثورة 25 يناير يحضرها كتاب ومفكرين وبعض من صفوة المجتمع، لكن أن لم تكن هناك حفلة ما أو ندوة ستجد المكان فارغاً لا تدب فيه الحياه، تذكر "سماح عبد العال" عازفة بكورال قصر الامير طاز "المكان في غاية الروعة بس اللي يزعل، انى لما اتصورت فيه الناس مش عارفة ان الجمال دا موجود هنا في بلدنا" هكذا هو حال البعض "سائح في بلده". "ممنوع الدخول" جملة قالها "أحمد" أحد مسئولي إدارة القصر عن غرفة محكمة الغلق لا تفتح إلا لكبار الزوار فقط، فتقول العازفة: " استغربت لما الاوضة اتفتحت الشتا قبل اللي فات.. شفت جواها دكك ومشغولات معمولة بفن الأرابيسك، دا غير اللوح الفنية اللى أنبهرت لما شفتها حاجة فوق الخيال، بس عرفت بعدها أنها كانت مفتوحة عشان يعملوا فيها صالون ثقافي" هذا ما وصفته "سماح" عن متعلقات الامير التي تعد تحفة فنية، لذلك تخاف عليها الادارة من التلف فتغلق وكأنها غرفة مقدسة.