بدون رقابة تعمل مصر الآن.. بدون رقابة دخلت البلاد فى أعقاب ثورة 25 يناير وموجتها الثانية فى 30 يونيو.. أموال منها مساعدات ودعم للشعب المصرى فى شكل منح وقروض، ومنها أموال مشبوهة تُخصم من حصة الشعب المصرى لحساب حفنة تحولت بقدرة التمويل الأجنبى إلى مافيا على حساب حقوق الشعب المصرى.. حتى إن أمريكا هددت وقالت إنها ستخصم من حصة مساعداتها العسكرية لمصر لتحويلها لصالح بوتيكات ودكاكين المجتمع المدنى، المسماة ظلماً بتعلم وتطور العمل الديمقراطى والحقوقى، الذين تحولوا بقدرة قادر إلى مافيا، ولم تفكر أمريكا لحظة أن تحول هذه النسبة لصالح العشوائيات أو النهوض بعملية الصحة أو مناهضة الفقر أو مواجهة كارثة البطالة، فالرقابة البرلمانية متوقفة الآن لعدم وجود برلمان. ورغم أن الرقابة البرلمانية فى البرلمان لم تكن مجدية لوجود أغلبية قادرة على سحق أى دور رقابى خاصة أنهم كانوا الظهير الاستراتيجى لنمو الفساد ووصوله إلى أعلى معدلاته.. لكن كان هناك تفجير لمثل هذه القضايا من نواب المعارضة والمستقلين، وكانت الصحافة والبرامج ووسائل الإعلام تنقل ما يدور داخل البرلمان، وما يكشفه نواب المعارضة والمستقلون إلى الرأى العام المصرى. وفى اعتقادى أن هذا الأمر كان مجدياً فى شحن الشعب المصرى تجاه مافيا الفساد فى هذا البلد.. ومن هنا تم التغلب على مخطط أغلبية الحزب الوطنى المدمر لأى استجواب يكشف قضايا الفساد والنهب العام وذلك بموافقتهم على الانتقال إلى جدول الأعمال، وتسفيههم للدور الرقابى وأثبتت الأيام فيما بعد صدق كل هذة الاتهامات ولكن بعد ثورة 25 يناير.. والسؤال هنا: لماذا لم تعلن الحكومة الحالية عن حجم الأموال التى دخلت البلاد خلال هذه الفترة كمساعدات للشعب وأوجه إنفاقها وخطتها بعد جفاف منابع هذه المساعدات، وهل يستطيع الجهاز المركزى للمحاسبات أن يعلن شهرياً موقفه الرقابى، وإلى أين تذهب تقاريره فى الوقت الحالى؟ لأن ما أعرفه تماماً أن القانون ينظم مثل هذا العمل.. ولكن فى ظل التربص بقيادة الجهاز حالياً أعتقد أن دور الجهاز سيتم تمييعه وتدريجياً وأده.. أيضاً: هل تستطيع الحكومة الحالية أن تطرح على الرأى العام حجم الأموال التى دخلت من أمريكا وأوروبا والخارج لحساب بوتيكات ودكاكين التمويل الأجنبى، أم أن الحكومة الحالية آخر من يعلم، أو مزاجها عدم الإفصاح لأن جزءاً منها مستفيد من ذلك؟! إن عدم طرح الأمور بوضوح وشفافية يُفقد الحكومة مصداقيتها.. إن الصحافة المصرية ووسائل الإعلام بتوقف الرقابة البرلمانية وما كان يشهده البرلمان من كشف أوجه الفساد فقدت الآن جزءاً كبيراً جداً من مصادرها الصحفية. وأصبح مثل هذه القضايا يكاد يكون معدوماً فى الصحافة. ومن هنا لا بد من إعلان الحقائق أولاً بأول حتى لا تتراكم أوجه الفساد والإنفاق الترفى الذى كان يحدث من قبل بسبب تدمير الدور الرقابى للبرلمان الذى تغلب بعض أعضائه على ذلك بنقل معركتهم من البرلمان إلى الإعلام.. الأمر الآن يحتاج أن تحترم الحكومة الحالية إرادة الشعب فى رفضه للفساد ونهب المال العام.. الأمر لا يحتاج سوى إعلان رئيس الحكومة الحالى الأراضى التى تم استردادها من لصوصها قبل 25 يناير والأراضى التى ما زالت بحوزتهم، وحجم الأموال التى استُردت والتى لم تُسترد حتى الآن سواء فى الداخل أو الخارج، لأنه يبدو أن هناك نية لتجميد هذا الأمر الذى كان فى أولوية مطالب ثورة الشعب فى 25 يناير.. ربما يكون هناك حرص على الود القديم ما بين مسئولين حاليين ولصوص الشعب الذين تربعوا على عروش السلطة قبل 25 يناير.. إن أكثر من حكومة تولت مسئولية الحكم بعد 25 يناير ولم نعلم حتى الآن الموقف الحقيقى للأراضى أو الأموال التى استُردت، أو حجم الأموال التى دخلت البلاد كمساعدات للشعب، أو الأموال التى دخلت لمافيا التمويل الأجنبى.. إن هناك ناطحات سحاب فى هذا البلد وصروحاً تُشيد رغم أموالها المشبوهة وطرق الحصول عليها رغم أنها فُجرت من قبل 25 يناير، وهناك أشخاص لم يجرؤ أحد على الاقتراب منهم.. على رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات أن يعلن وبكل قوة هذه الأمور جلية للشعب وواضحة فى حالة صمت رئيس الوزراء، فحق الشعب أعلى وأغلى من أى موقع أو سلطة أو عرش فى هذا البلد، لأنه حق زهقت فى سبيله أغلى وأعز الأرواح، وسالت فيه أنهار من أزكى الدماء، وأصيب من أجله أعز الشباب، ومن أجله أيضاً فُقدت عيون الأحباء.. حق الشعب يعلو، فسحقاً لمن يصمت عن الفساد أو يناصر قهراً أو استبداداً.