لعلك لم تنس هذا الاسم «فايزة أبوالنجا» أو المرأة الحديدية، كما يعن للبعض تسميتها، أول امرأة عربية تجلس على كرسى وزارة التعاون الدولى وتظل جالسة عليه لمدة تزيد على أحد عشر عاما، فقد تولت المنصب فى نوفمبر 2001 وغادرته مختارة مع رحيل وزارة د. الجنزورى العام الماضى 2012 وما بين التاريخين جرت مياه كثيرة فى نهر الحياة المصرية، لكنها لم تزل عكارة ما يعرف بالاختراق الأجنبى لمصر عبر المجتمع المدنى ونشاطات منظماته الأهلية، هذه النشاطات التى ارتبطت بما يعرف ب«التمويل الأجنبى» الذى تحوّل بفعل الواقع إلى قرينة اتهام أو كما قالت عنه أبو النجا.قالت أبو النجا فى حديث أخير أدلت به للشقيقة مجلة «الأهرام العربى» إنه منذ بداية برنامج الديمقراطية فإن مبالغ التمويل الأمريكى المباشر لمنظمات المجتمع المدنى المصرية منها والأمريكية قدرت ب 175 مليون دولار، وذلك على مدار السنوات من 2004 إلى صيف 2011 (!!). وأضافت الوزيرة أنها عرفت أو حسب تعبيرها وقفت على تلك المبالغ من خلال إعلان رسمى من الجانب الأمريكى بقراره الأحادى بإعادة برمجة مبلغ 40 مليون دولار أمريكى من برنامج المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر، ثم تأكيد السفيرة الأمريكيةالجديدة فى القاهرة (السفيرة الحالية) أثناء جلسة الاستماع بشأن تعينها بأن واشنطن خصصت حتى صيف 2011 مبلغ 105 ملايين دولار للمجتمع المدنى فى مصر والمنظمات الأمريكية (!!). وأن معظم مصدر مبالغ التمويل المشار إليها تم استقطاعه من المبلغ المخصص من برنامج المساعدات الأمريكية الاقتصادية بقرار أحادى الجانب من أمريكا.. بمعنى أن هذه الأموال كانت الحكومة الأمريكية قد وعدت الحكومة المصرية أنها خصصتها كمساعدات لعدد من المشروعات التنموية فى مجالات الصحة والتعليم ومياه الشرب والصرف الصحى وكان هذا الوعد أو الاتفاق بين الجانبين المصرى والأمريكى منصوصا عليه فى اتفاقيات رسمية خالفتها أمريكا ووجهت الأموال لمنظمات بعينها تعمل على الأرض فى مصر منها ما هو أجنبى مثل المعهدين الجمهورى والديمقراطى اللذان مارسا عملهما على الأراضى المصرية رغم أنف الدولة (فى عهد مبارك) ومؤسسة فريدوم هاوس وأخواتها مثل «فريدوم كوست» وغيرها، وكذا المنظمات المصرية من دكاكين وبوتيكات الديمقراطية وحقوق الإنسان التى تلقت عشرات ومئات الآلاف من الجنيهات للدفاع عن حقوق الشواذ تارة وإلغاء عقوبة الإعدام تارة أخرى وتدريب البعض على مراقبة الانتخابات إلى آخر هذه الأنشطة التى ذكرتها أو لم تذكرها فايزة أبو النجا. -2- وجه آخر للخطورة كشفت عنه أبو النجا فى النشاطات التى تم توجيه هذه التمويلات إليها وخاصة بعد ثورة 25 يناير يمكن أن نقول إنه يتعلق بالكشف عن الطرف الثالث الذى صار «نكتة» يتندر بها المصريون من كثرة ما تردد حوله فى غياب للمعلومات أو حجبها من المسئولين الذين يريدون ألا يغضبوا من يقف وراء ما يحدث من أعمال فتنة وفوضى.. أما أبو النجا فقد شجعها على كشف بعض مما تعرفه تحررها من المنصب الرسمى لذا قالت إن ما تشهده مصر فى الفترة الأخيرة من تأثير لهذا الحجم الضخم والهائل من ضخ الأموال الأمريكية وغيرها وما يتلاحظ من تأجيج للمشاعر الدينية بين المسلمين والأقباط فى مصر وهو ما بدأ منذ سنوات عديدة يلاحظ معه تكثيفا وتغييرا نوعيا فى شكل وطبيعة المواجهات بين المسلمين والأقباط والتذرع بحوادث مختلفة، إنما تتضمن التشكيك فيمن يقف وراء هذه الأحداث.. وأنه لا يمكن عدم ربط ذلك بما يحدث من تطورات فى السودان وانفصال الجنوب المسيحى فى أغلبه على الشمال المسلم وهى عملية بدأت منذ نهايات القرن الماضى على مراحل الانفاصل، وفى مصر بالإضافة إلى تصعيد القضايا المطروحة من أقباط مصر والدعم الأمريكى سواء دوائر الكونجرس الأمريكى أم دوائر اللوبى اليهودى وأن ذلك يرتبط ارتباطا واضحا بوتيرة هذه الأحداث خصوصا فى الشهور القليلة الماضية وبالتأكيد ذلك أخطر ما يمكن أن يهدد الأمن القومى المصرى. -3- أمور أخرى لا تقل خطورة عما سبق تطرقت إليها الوزيرة والمسئولة السابقة عن التعاون الدولى يمكن أن نلخصها تحت مسمى «المؤامرة» ليس المؤامرة على خلع مبارك ونظامه ولكن المؤامرة على مصر والدول العربية لصالح مشروعات استعمارية مثل الشرق الأوسط الجديد أو الكبير صار اللعب فيها الآن على المكشوف وعلى الرغم من هذا يخرج من بين صفوفنا من يحاول أن يقنعنا أن هذا الكلام «فاضى» والهدف منه التغطية على أداء الحكومة أو مساندة الرئيس الإخوانى ونظامه وجماعته حتى ولو صدر الكلام عن مسئول رفض الاستمرار فى وزارة الإخوان أو مسئول سبب كثيرا من القلق لأمريكا حين كشف عن تداخلاتها الوقحة فى شئوننا الداخلية وتحريضها السافر لنشر الفوضى. يأتى هذا فى الوقت الذى تخرج فيه أصوات أصحاب الدكاكين والبوتيكات الحقوقية ومتعهدى العمل الأهلى التطوعى تعارض قانون الجمعيات الأهلية الذى يناقشه مجلس الشورى الآن ليس لشىء إلا لأنه يطور آليات للرقابة على التمويلات والمنح والدعم المقدم لهم وبعبارة أخرى أكثر صراحة ومباشرة يضيق عليهم باب مغارة «على بابا» وكنزها الذى كانوا يغرفون منه طوال السنوات السابقة. آخر ما أريد أن أقوله هنا وأعتقد أن العاملين فى المجتمع المدنى يعرفونه إن القوانين والأنشطة التى تحكم عمل المجتمع المدنى فى داخل الولاياتالمتحدة مختلفة عن مثيلاتها فى الخارج، وبمعنى آخر أن أمريكا تصدّر لنا بضاعة الانقلابات والفوضى بينما تمنع تداولها على أراضيها، وبالتالى فهناك مؤسسات أمريكية وأوروبية تعمل على الأرض المصرية وتمولها الحكومة الأمريكية ممنوعة من العمل داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية.. ولا عزاء للديمقراطية.. ***