أنعش رد فعل الإخوان نحو رحيل الشاعر الوطنى الراحل: «أحمد فؤاد نجم» (تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته) الذاكرة الوطنية بحالة «العمى السياسى» التى لم ولن تبرأ منها الجماعة، تلك الحالة التى سيطرت عليها قبل الثورة، وعشت أبصار قياداتها وكوادرها بعد وصولهم إلى سدة الحكم، وأصبح «مرسى» رئيساً للجمهورية، بعد يناير 2011. فقد اندفعت بعض الصفحات الإخوانية إلى النيل من الرجل الذى عاش -حتى آخر نفس فى عمره- نصيراً للفقراء ومدافعاً عن «مصر جديدة» تسودها الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين البشر. على شعر أحمد فؤاد نجم تعلمنا معنى الوطنية، ومن خلال الألحان البديعة التى قدمها الشيخ إمام عيسى لكلماته تعلمت أجيال عديدة فى مصر معنى النضال. لقد رأيت هذا الثنائى مرة واحدة فى حياتى يغنيان بمقر حزب التجمع بشارع «مارسينة» بالسيدة زينب، وقتها كان عمرى لا يزيد عن 17 عاماً، ومنذ ذلك الحين لم أفهم معنى لبناء الوجدان النابض بحب هذا الوطن خارج هذا الشاعر وذاك الموسيقار! من لم تعلمه التجربة صائر لا محالة إلى «مزابل» التاريخ.. والإخوان جماعة لا تتعلم، فلو أنها استوعبت الدروس المستخلصة من تجربتها الفاشلة فى الحكم بعد ثورة يناير، لأدركت أن جوهر كراهية الشعب ونفوره منها ارتبط بحالة الانزعاج التى أصابت المصريين وهم يرون رموز الجماعة وقياداتها ينعتون من يختلف معهم فى الرأى أو يعارضهم فى التوجه بالكفر والشرك والمروق من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية! هنالك فهم -من لم يكن قد فهم بعد- أن هذه الجماعة شاذة التفكير مريضة العقل سقيمة الوجدان. لماذا شمت الإخوان فى وفاة «أحمد فؤاد نجم»؟ الإجابة: لأن أحمد فؤاد نجم كان يمتدح الفريق أول عبدالفتاح السيسى، ويتراقص فى البرامج التليفزيونية بعد 30 يونيو على أنغام «تسلم الأيادى». هذا رأيه، قد يختلف معه آخرون فى تأييده لوجود الفريق السيسى على رأس السلطة فى مصر كرئيس للجمهورية. أنا شخصياً واحد من هؤلاء الذين يرون أن الفريق أولى بوزارة الدفاع، ووزارة الدفاع أولى به من الرئاسة. ألم يئن للإخوان أن ينظفوا عقولهم مرة واحدة، ويؤمنوا بحق الناس فى الاختلاف معهم، ويفهموا أن «كل إنسان حر فى رأيه». من منا يمتلك الحقيقة حتى يستطيع أن يزعم أن ما يقوله أو يكتبه هو الصواب المطلق؟ الكل يجتهد، ومع تعدد الاجتهادات تتنوع الآراء. هل من المنطقى أن تتعامل جماعة -تمارس السياسة منذ ثمانين عاماً- على هذا النحو، تشمت فى وفاة شاعر عظيم وتسخر من جنازة رمز وطنى غذى وجدان أجيال متتالية بحب الوطن. إن الفارق بين أحمد فؤاد نجم والإخوان الشامتين فى موته هو ببساطة الفارق بين شاعر أُلقى به فى السجن سنين عددا، ورغم ذلك لم يبحث عن ثأر أو شماتة فيمن سجنه، وجماعة يظن أفرادها أنهم خالدون ولا تجرى عليهم سنة الموت فيلعنون من يتبنى رأيا مخالفاً لآرائهم، فى الحياة وفى الممات.. إنه الفارق بين شاعر إنسان وواحد إخوان!