حشد أتباعه فى مواجهة الدولة، صفهم وشحنهم بأناشيد الثورة الإسلامية والشهادة، غير أنه فى اللحظة الحاسمة قرر أن يتخلى عنهم، أو على الأقل يتركهم يواجهون مصيرهم وحدهم، أما هو، فاختار أن يترك كل ذلك خلف ظهره ويرحل، ثم يرسل صوره الفوتوغرافية التى يظهر بها مبتسماً مدركاً فى الوقت نفسه أن يداً لم تطُله أو حتى تمسه بسوء. إنه عاصم عبدالماجد، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، من رفع شعار «الهروب الدائم» عقب فض اعتصامى «رابعة العدوية» و«النهضة»، قبلها بأيام ظهر على المنصة المنصوبة أمام مسجد رابعة العدوية ليلقى صيحته الشهيرة: «قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار».. واصل بعد أن هدأت الجماهير الحاشدة: «إنى أرى رؤوساً أينعت وقد حان وقت قطافها»، علا هتاف الناس تجاوباً معه، هبط من على المنصة، وفى لمح البصر ذاب. اختفى «عاصم» عن الأنظار، راحت الحملات الأمنية تفتش عنه فى كل شبر فى مصر، تسللت شائعات من نوعية وجوده فى كرداسة ودلجا والصف وقرى مختلفة بالمنيا؛ حيث مسقط رأسه، لكن التجربة أثبتت أنها كلها شائعات؛ إذ لم تسفر الحملات عن شىء يذكر، ظل القيادى الهارب فى مأمن من كل ما سبق، ثم ظهر أخيراً فى صورة يقال إنها التُقطت له أثناء وجوده فى أحد فنادق العاصمة القطرية الدوحة، يتناول إفطاره وهو هادئ البال خالٍ من الهم. هو نفسه من آلى على نفسه أن يدافع عمّا سماه «شرعية الرئيس المنتخب»، ذلك الرئيس الذى وضع يده فى يد الجماعة الإسلامية التى اقترفت جرائم شهيرة فى حق الدولة، «عاصم» كان واحداً من هؤلاء، وُلد فى محافظة المنيا عام 1957، وحصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة أسيوط؛ حيث تعرف هناك على من سيشارك معهم فى تأسيس الجناح العسكرى للجماعة أوائل الثمانينات، قبل أن تدخل الجماعة فى صدام فكرى مع الدولة، تحول إلى دموى بمجرد اغتيال الرئيس السادات، عندما حمل عاصم وزملاؤه السلاح وخاضوا قتالاً ضد قوات الشرطة فى حادث الهجوم الشهير على مديرية الأمن فى أسيوط، والذى راح ضحيته عدد كبير من رجال الشرطة وقتها. كان من الطبيعى إذن أن يدخل خريج الهندسة طرفاً فى قضية اغتيال «السادات»، حمل ملفه رقم 9 ضمن قائمة المتهمين، وحصل على حكم بالحبس 15 عاماً مع الأشغال الشاقة، وعلى الرغم من مشاركته فى المراجعات الفكرية التى جرت لقيادات الجماعة وأعضائها داخل السجون، فإنه ظل مصراً على موقفه الفكرى، بل إنه تفاخر بأنه الوحيد الذى لم يعلن تراجعه كما فعل زملاؤه داخل السجن. تماماً كما يعلن عن نفسه الآن مفاخراً بنجاحه فى الهروب من قبضة الأمن، فيما يختفى زملاؤه خلف القضبان.