وزير التعليم: 87% من طلاب مصر يتعلمون فى التعليم الرسمى العام و13% فى الخاص    رئيس الوزراء يتابع مع وزير قطاع الأعمال العام عددا من ملفات العمل    الصحة العالمية تكشف عن 2.1 مليون شخص فى غزة يواجهون الجوع القاتل بخلاف القنابل    غياب محمد عواد عن مران الزمالك اليوم بسبب آلام الظهر    برشلونة يضم ماركوس راشفورد على سبيل الإعارة حتى 2026    ضبط واقعة التعدي على طليقته ونجلهما حال تواجدهم بأحد الأندية لتنفيذ حكم رؤية بالإسماعيلية    المفرج عنهم يشكرون الرئيس السيسي على لمّ الشمل    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: إسرائيل تذبح أهل غزة وعلى العلم التحرك فورا لمنع فظائعها    رئيس "إسكان النواب": تصريحات الرئيس السيسي بشأن الإيجار القديم تؤكد أنه سيصدق على القانون    سلطان عُمان يهنئ الرئيس السيسي بذكرى ثورة 23 يوليو    الصين تدعم بقوة عمل اليونسكو    وسط ارتفاع وفيات المجاعة في غزة.. حماس ترد على مقترح وقف إطلاق النار    بالفيديو.. حمزة نمرة يطرح 3 أغنيات من ألبومه الجديد "قرار شخصي"    الحبُ للحبيبِ الأوَّلِ    أحمد سعد يتصدر تريند يوتيوب في مصر والدول العربية بأغاني "بيستهبل"    مدرب خيتافي: كنت أراهن على نجاح إبراهيم عادل في الدوري الإسباني    اقتصادي: الجيش حمى الدولة من الانهيار وبنى أسس التنمية    علي معلول يوقع على عقود انضمامه إلى ناديه الجديد    «أجبرتها على التراجع».. مروحية إيرانية تتصدى لمدمرة أمريكية في المياه الإقليمية    أوكرانيا وروسيا تستعدان لإجراء محادثات سلام في تركيا    الكنيست يوافق على قرار لفرض السيادة الإسرائيلية في الضفة وغور الأردن    البابا تواضروس يستقبل مجموعة خدام من كنيستنا في نيوكاسل    مؤشرات تنسيق الثانوية العامة 2025 علمي.. كليات ومعاهد تقبل مجموع 50% فقط في 2024    خلال استقبال مساعد وزير الصحة.. محافظ أسوان: التأمين الشامل ساهم في تطوير الصروح الطبية    بالأسماء.. رئيس أمناء جامعة بنها الأهلية يُصدر 9 قرارات بتعيين قيادات جامعية جديدة    منهم برج الدلو والحوت.. الأبراج الأكثر حظًا في الحياة العاطفية في شهر أغسطس 2025    متحدث الوزراء يكشف السبب الرئيسي وراء تأجيل احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير    وزير الدفاع يكرم أصحاب الإنجازات الرياضية من أبناء القوات المسلحة (تفاصيل)    ماذا يحدث لجسمك عند تناول السلمون نيئًا؟    القاهرة والرياض تبحثان مستجدات الأوضاع بالبحر الأحمر    بعد تراجع 408.. تعرف على أسعار جميع سيارات بيجو موديل 2026 بمصر    من الارتفاع إلى الهبوط.. قراءة في أداء سهم "بنيان" في ثاني يوم تداول بالبورصة    خادم الحرمين وولى العهد السعودى يهنئان الرئيس السيسى بذكرى ثورة 23 يوليو    فسخ العقود وإنذارات للمتأخرين.. ماذا يحدث في تقنين أراضي أملاك الدولة بقنا؟    خطة استثمارية ب100 مليون دولار.. «البترول» و«دانة غاز» تعلنان نتائج بئر «بيجونيا-2» بإنتاج 9 مليارات قدم    ب2.5 مليون.. افتتاح أعمال رفع كفاءة وحدة الأشعة بمستشفى فاقوس في الشرقية (تفاصيل)    لماذا لا ينخفض ضغط الدم رغم تناول العلاج؟.. 9 أسباب وراء تلك المشكلة    "المطورين العقاريين" تطالب بحوار عاجل بشأن قرار إلغاء تخصيص الأراضي    رضا البحراوي يمازح طلاب الثانوية العامة    الأهلي يترقب انتعاش خزينته ب 5.5 مليون دولار خلال ساعات    وفاة شخصين متأثرين بإصابتهما في حادث تصادم سيارتين بقنا    على شاطئ البحر.. أحدث ظهور للفنانة بشرى والجمهور يعلق    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر والأصل أن تعود للخاطب عند فسخ الخطبة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم نتمنى ان نكون مثلكم ?!    أسرة مريم الخامس أدبي تستقبل نتيجتها بالزغاريد في دمياط    ضبط 3695 قضية سرقة كهرباء خلال 24 ساعة    ضبط 30 متهما في قضايا سرقات بالقاهرة    فيريرا يركز على الجوانب الفنية في مران الزمالك الصباحي    بالفيديو.. الأرصاد: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد حتى منتصف الأسبوع المقبل    طريقة عمل المكرونة بالبشاميل، بطريقة المحلات وطعم مميز    الرئيس السيسي: هذا الوطن قادر بأبنائه على تجاوز التحديات والصعاب    البنك الزراعي المصري يبحث تعزيز التعاون مع اتحاد نقابات جنوب إفريقيا    رئيس الوزراء يتفقد موقع إنشاء المحطة النووية بالضبعة    مرتضى منصور لحسن شحاتة: للأسف أنا مسافر ومنعزل عن العالم    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    خلال فترة التدريب.. مندوب نقل أموال ينهب ماكينات ATM بشبرا الخيمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مزيج بين «الأسود» و«الثعالب»
نشر في الوطن يوم 18 - 11 - 2013

كان السيسي يقابل الإخوان أيضاً، الذين لفت نظرهم تدين الرجل وحفظه للقرآن وحرصه على الصلاة فاعتبره«محترماً»و«مخلصاًً» و«بتاع ربنا» كما كان للرجل قنوات اتصال مع خيرت الشاطر بالضرورة الذي اعجب بشخصية «السيسي» وراهن على ولائه «للقيادة» أيا كانت بحكم تكوينه العسكري، وبعد انتخابات لم تكشف كواليسها حتى يومنا هذا،أصبح «مرسي» رئيساً للجمهورية، ومكتب الإرشاد رئيسًالرئيس الجمهورية، وتم ترشيح الثعلب لكي يترقى ، لكن من قال إن الثعلب حين يترقى يبقى ثعلباً؟
«هو واحد ممن قضوا طفولتهم يرون فى جمال عبدالناصر بطلاً / أسداً حدث له انكسار بعد النكسة، لكنه عاد من الانكسار بطلاً بإرادة شعبية، ليصبح الحاكم بأمره.. لم يحارب فى أكتوبر 1973، لكنه واحد ممن أدركتهم نشوة النصر لدى الثعلب فقرر أن يلتحق بالكلية الحربية».
(1)
فى كتب الاجتماع السياسى ومراجعه المختلفة هناك اسم توقفت عنده كثيراً هو اسم «فلفريدو باريتو»، وهو عالم اجتماع ذو خلفية اقتصادية مبهرة، ويحلو للبعض أن يعكسوا الأمر فيعتبروه عالم اقتصاد ذا خلفية اجتماعية، لكن بداية معرفتى بالرجل كانت من خلال كتاب تم تدريسه على طلاب دفعة قسم الإعلام بآداب حلوان عام 1997، للدكتور جمال أبوشنب، وهو عن «الصفوات العسكرية فى دول العالم الثالث»، وفيه كلام عن «باريتو» لم نكن نتصور أن نستخدمه فى شىء غير امتحانات التيرم، لكن ها هو «السيسى» يذكرنا به من جديد.
يرى «باريتو» أن الصفوات العسكرية الحاكمة تمثل صراعاً بين نوعين:
* صفوة الأسود.. وتم تشبيهها بالأسود لأنها تتسم بالقوة والبطش وقادرة على الاستيلاء على الحكم من خلال هذه القوة، ووقتها تم اعتبار جمال عبدالناصر ممثلاً لهذه الصفوة. رجل عسكرى بصحبة جيش قام بانقلاب على الملكية الحاكمة، تطور لأن سماه الإعلام «الحركة المباركة»، ثم استقر تعريفه الإعلامى على كلمة «ثورة يوليو 1952»، وبعد أن استولى الجيش على الحكم بالقوة (ودون إراقة دماء) حدث أن طوّر «عبدالناصر» من إمكاناته، فأطاح بمحمد نجيب بمنتهى القوة ودون إراقة دماء أيضاً ليصبح رئيساً للجمهورية، وعلى خلفية هذه القوة استطاعت الأجهزة الأمنية أن تتغول فى البلاد وتصبح لها اليد الطولى فى الرقابة أحياناً وفى الاعتقالات والتنكيل بالمعارضين فى أحيان أخرى، حتى حدثت النكسة، ووقتها كان لا بد من كبش فداء، وهكذا «انتحر» عبدالحكيم عامر، وتمت إقالة ومحاكمة العديد من القيادات الأمنية، وبقى الأسد فى الحكم، حتى قضى الله أمراً كان مفعولاً ومات «عبدالناصر»، لتأتى صفوة مختلفة تحكم مصر، وهى النوع الثانى الذى تكلم عنه «باريتو»، وسماه:
* صفوة الثعالب.. والثعلب بطبيعته ماكر، يقبع كثيراً فى الظل فى انتظار اللحظة المناسبة للانقضاض، وقد يخطط كثيراً حتى يصل لهذه اللحظة التى يحكم فيها، أو تأتيه الظروف بالحكم نتيجة حتميات تاريخية وصراعات بين الأسود وبعضها البعض، وهذا النوع يمثله ثعلب من طراز رفيع اسمه محمد أنور السادات، واحد من الضباط الأحرار، واحد من المتهمين فى قضية مقتل أمين عثمان، ثم واحد ممن لم يشهدوا «وقت» حدوث الثورة، حيث كان فى «السينما». وبغض النظر عن تفسير هذه الواقعة، وهل كان المقصود بها التمويه حتى يحمى نفسه من المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى لو فشلت حركة الجيش، أو المقصود بها أن يمثل خط هجوم ثانياً يجمع شتات الضباط الأحرار، كما فسر المحبون للرجل هذا التصرف، فإن الأكيد أن هذا التصرف هو تصرف الثعالب، ولم يكن «السادات» محبوباً من بعض الأسود، لكنه ظل بعيداً عن صراعاتهم، يشرف أحياناً على جريدة الجمهورية التى أنشأها النظام الجديد، وله تسجيلات نادرة فى الإذاعة المصرية وهو يلقى خطبة الجمعة! ثم يصعد رويداً رويداً ببطء ولكن بثقة حتى يصل لرئيس البرلمان، ثم نائب الرئيس، وحين يموت الأسد يصبح الثعلب رئيساً بعد فترة من الكمون مليئة بالدهاء.
طيب.. إذا طبقنا النموذجين على عبدالفتاح السيسى، ضابط الجيش الذى أصبح رئيساً للمخابرات الحربية، فعضواً بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد الثورة، وصولاً لكونه وزيراً للدفاع، ثم أخيراً، أطاح، بأمر الشعب، برئيس الجمهورية شخصياً قبل أن يتراجع خطوة للوراء، ولا يحسم جدلاً ودعوات متزايدة لنزوله الانتخابات الرئاسية المقبلة، فهل ينتمى «السيسى» لصفوة الأسود أم صفوة الثعالب، أم أن الرجل نموذج مختلف؟ الإجابة عن هذا السؤال تستدعى مزيداً من الشرح وهو كما يلى..
(2)
اسمه عبدالفتاح سعيد حسين خليل السيسى. هو من مواليد 1954، وبالتالى هو واحد ممن قضوا طفولتهم يرون فى جمال عبدالناصر بطلاً/ أسداً حدث له انكسار بعد النكسة، لكنه عاد من الانكسار بطلاً بإرادة شعبية، ليصبح الحاكم بأمره. بعد أن أعاد الشعب «الأسد» الذى تنحى، صار من المستحيل أن يطيح به شىء إلا الموت، وقد كان.
حين تولى «السادات»/ الثعلب حكم مصر، كان عبدالفتاح السيسى يشاهده مثل آخرين. لم يحارب «السيسى» فى أكتوبر 1973، لكنه واحد ممن أدركتهم نشوة النصر لدى الثعلب، وهكذا قرر أن يلتحق بالكلية الحربية بعد انتصار الثعلب.
قرر «السيسى» أن يكون متميزاً فابتعد عن السياسة تماماً، وركز فى دراساته العسكرية محاولاً أن يثبت تميزه فى نظام عسكرى صارم لا يعترف سوى بالأقدمية، لكنه فى الوقت نفسه يتيح مجالاً لهؤلاء «المتميزين» الذين يعترف بهم الجميع، ليستفيد منهم، ولهذا ركز «السيسى» فى دراساته العسكرية فقط، ولم يعرف عنه رغبته، ولا شغفه، فى الحديث عن السياسة وتحولاتها، بل رضى أن يكون ضابطاً مطيعاً إلى جانب تميزه، وهكذا حصل على ماجستير من كلية القادة والأركان عام 1987، وماجستير من كلية القادة والأركان البريطانية عام 1992 بنفس التخصص، وحصل على زمالة كلية الحرب العليا من أكاديمية ناصر العسكرية عام 2003، ثم كانت النقلة المختلفة حين درس فى الولايات المتحدة الأمريكية، ليحصل على زمالة من كلية الحرب العليا الأمريكية عام 2006.
هناك رافد مختلف من الثقافة العسكرية دخل لعبدالفتاح السيسى بدراسته فى أمريكا، رافد له علاقة بثقافة تتحدث كثيراً عن الديمقراطية، وعن أساليب تطبيقها التى يمكن (حسب العقلية الأمريكية) فرضها على نماذج بعينها، إما من خلال تدخلات أو ضغوط أو -أحياناً- حروب تحت مسميات مختلفة كان آخرها الحرب على الإرهاب!
كان السيسى «ترساً» فى آلة كبيرة فى هذه الأثناء، وكان خريف نظام «مبارك» قد بدأ، مع حديث مستمر عن التوريث، وعن موقف الجيش منه، وبعد أن صار «مقرباً» من القيادة العسكرية بتميزه وطاعته للأوامر لدرجة أن المشير طنطاوى كان يقول عنه إنه مثل ابنه.. تدرج «السيسى» فى المناصب، وتولى قيادة المنطقة الشمالية العسكرية، ثم استقر به الأمر فى النهاية إلى واحد من أخطر مناصب القوات المسلحة، حيث تولى إدارة المخابرات الحربية، ثم قامت الثورة، وكل ذلك يعتبر تمهيداً لكى نجيب عن السؤال الذى نكرره الآن: كيف فكر «السيسى» بعد الثورة؟ ولعل الإجابة آتية، أو هكذا أتصور..
(3)
كانت الثورة بمثابة «نجدة» للجيش المصرى. فى اللحظات الأولى لم يكن أحد يتخيل أن تنجح وأن يبقى الزخم الثورى بهذه الطريقة، لكن أحداً لم يتصور فى الوقت ذاته الاستقبال الأسطورى للجيش وقت نزوله للشارع، والمنطقى أن عبدالفتاح السيسى، مدير المخابرات الحربية، ربما يكون قد أجرى تقديراً سريعاً للموقف رفعه إلى القيادة العامة مفاده أن الجيش محبوب عند الناس، فى لحظة يهتز فيها نظام «مبارك» بقوة، ويمكن إسقاطه، مع بقاء الجيش فى صورة «المنقذ» أو «المخلص»، وهو ما كان.
تمت إزاحة «مبارك» بعد ثورة من الشعب المصرى/ غباء فى إدارة الأزمة من «مبارك» ورجاله/ «ضغط» من المجلس العسكرى الذى كانت هذه هى فرصته الوحيدة والكبيرة للإطاحة بمشروع التوريث/ تراجع فى الموقف الأمريكى من «مبارك»، ليتولى المجلس العسكرى إدارة شئون البلاد، وكان «السيسى» هو «أصغر» أعضاء المجلس العسكرى سناً، وكان لافتاً للأنظار بشدة وهو يتحدث مع نشطاء سياسيين ورجال إعلام وأدباء ومثقفين، فى اجتماعات خاصة، أُعلن عن بعضها ولم يعلن عن الآخر.
ولأنه صاحب عقلية مختلفة عن عقلية «عواجيز» المجلس آنذاك، فقد اعترف بقصة فحوص العذرية لوسائل إعلام دولية، وواجه الأمر بمبرر أن ما يحدث من فحوص لحماية النساء من التعرض لمخاطر التحرش والاغتصاب، وحماية الجنود والضباط من اتهامهم بممارسات جنسية مع المقبوضات عليهن، وكان «السيسى» سيكمل مواجهة الأمر ربما بالإعلان عن تحقيقات داخلية ستجرى لمعاقبة بعض المتجاوزين فى أساليبهم، لكن كان هناك غضب من جناح آخر داخل المجلس العسكرى لهذه التصريحات، وغالباً تم توجيه «أوامر» ل«السيسى» بعدم الإدلاء بتصريحات إعلامية، وإن ظل يقوم بدوره فى لقاء القوى السياسية المختلفة وكان منهم «الإخوان المسلمون»، وربما فى هذه الملابسات بدأت شخصية «الثعلب» تتشكل عند «السيسى»، فقرر أن يكمل عمله لكن فى الخفاء وفق ما اكتشفه بعد ذلك من «حرق» العديد من لواءات المجلس إعلامياً، وصراعات «الأسود» داخل المجلس وقتها للإطاحة ببعض المشتاقين لدور أوسع، واستبعادهم أو تحجيمهم عن رغبتهم فى الترشح للرئاسة (طارق المهدى مثلاً تم استبعاده إرضاءً لإسماعيل عتمان، وسامى عنان رضخ لتعليمات المشير بعدم إثارة رغبته فى الترشح).
كان «السيسى» يقابل الإخوان أيضاً، الذين لفت نظرهم تدين الرجل وحفظه للقرآن وحرصه على الصلاة، فاعتبروه «محترماً» و«مخلصاً» و«بتاع ربنا»، كما كان للرجل قنوات اتصال مع خيرت الشاطر بالضرورة، الذى أعجب بشخصية «السيسى» وراهن على ولائه «للقيادة» أياً كانت بحكم تكوينه العسكرى، وبعد انتخابات لم تكشف كواليسها حتى يومنا هذا، أصبح «مرسى» رئيساً للجمهورية، ومكتب الإرشاد رئيساً لرئيس الجمهورية، وتم ترشيح الثعلب لكى يترقى، لكن من قال إن الثعلب حين يترقى يبقى ثعلباً؟
(4)
بعد تولى «مرسى» المسئولية ارتفعت أسهم «السيسى»، وتصادف أن وجد الاسم ترحيباً من «المشير»، وهو ما لم يعجب سامى عنان، وفى ملابسات يعرف كواليسها «عنان» و«السيسى» شخصياً، تم تسريب معلومات مضللة لإعلامى محسوب على تيارات أمنية لها علاقة بقرب «السيسى» من الإخوان، وكون زوجته منتقبة، وكان من الواضح أنها ضربة لأى مستقبل محتمل ل«السيسى» الذى تعامل مع الأمر بهدوء شديد جعل القيادة نفسها تصدر نفياً لما ورد من معلومات، لكن فى 12 أغسطس 2012 كان «السيسى» على موعد مع قرار توقعه هو شخصياً، وهو الإطاحة بالمشير والفريق فى خطوة جماهيرية رفعت من أسهم «مرسى» وقتها، وتوقع الجميع بدء محاكمة «طنطاوى» وسامى عنان عن مسئوليتهما السياسية عن الدماء التى أريقت فى الفترة الانتقالية، لكن «مرسى» خيّب ظن الجميع بمنحهما وسامين وتعيينهما مستشارين له، ويقول البعض: إن ذلك كان بإيعاز من «السيسى» شخصياً، الذى أخبره أن الجيش لن يستقر ولن يطمئن للقيادة الجديدة، لو رأى القيادة القديمة تحاكَم، وسيحدث شرخ كبير لن يستطيع أحد ترميمه، ولن يستطيع القيام بمهامه وقتها، ولقى الأمر هوى عند الإخوان واستهجاناً لدى قوى ثورية عديدة، لكن هذا كان شرط «السيسى».
فى الأيام التالية، أدرك «السيسى» أن كلمة «مرسى» مش من دماغه، لكنه كان فى صراع بين طاعة أوامر القائد الأعلى المنتخب والمصلحة الوطنية التى تقتضى تدخله وتدخل الجيش لتلطيف الأجواء على الأقل، لا سيما بعد أحداث الاتحادية والتعديلات الدستورية، وهكذا قرر «السيسى» أن يجمع القوى المختلفة مع «مرسى» فى جلسة مصالحة فى أحد نوادى القوات المسلحة، ولم يعجب الأمر جماعة الإخوان المسلمين، وتسبب فى ثورة عارمة من خيرت الشاطر الذى عنّف «مرسى» شخصياً كما تقول العديد من المصادر، فاتصلت الرئاسة بالجيش طالبة إلغاء اللقاء.. وقد كان. ومثّل الأمر إهانة ل«السيسى» عند البعض، لكنه أكسبه نقطة فى صالحه عند تيارات أخرى رأته يريد أن يصلح ويجمع الناس فى مواجهة رغبة أكيدة من «مرسى» وإخوانه للانفراد بالحكم، وهكذا خرج الثعلب منتصراً من هذه المعركة انتصاراً يمكن أن تسميه انتصاراً تراكمياً يضاف إلى انتصارات أخرى داخلية تمثلت فى مواجهات بينه وبين خيرت الشاطر فيما يتعلق بالموقف قبل 30 يونيو، وكان «المربك» ل«مرسى» أن «السيسى» يؤكد أنه مع الشرعية، لكنه فى الوقت ذاته يؤكد أن الجيش ينحاز لإرادة الشعب، وهو ما مثل لغزاً لم يترجمه أعضاء مكتب الإرشاد حينها، حتى خرج «السيسى» فى أحد الاحتفالات ليتحدث حديثاً عاطفياً وصل للناس مباشرة، وركزت عليه وسائل الإعلام، وكان نقطة انطلاق قوية للثقة فى أن «السيسى» يعطى «مرسى» إنذاراً مبكراً، ثم فضل «السيسى» أن يلعب دور الناصح الأمين، فقدم ل«مرسى» تقديرات موقف متتالية عن السخط الشعبى وعن عدم رضا الناس عن العديد من التصرفات والقرارات، لكن من قال إن «مرسى» كان يسمع؟
هناك حكاية متداولة فى الكواليس مفادها أن خيرت الشاطر شعر بالخطر فى هذه الأثناء، وأنه اتصل بمدير المخابرات الحربية الجديد وطلب لقاءه فى اجتماع سرى، وحين وصل «خيرت» لمقر المخابرات الحربية، وحين دخل المكتب، وجد «السيسى» فى مواجهته.
وهناك حكاية أخرى أكثر توثيقاً، هى أن الإخوان والرئاسة حاولوا التواصل مع اللواء أحمد وصفى، قائد الجيش الثانى، ليعرضوا عليه القبول بمنصب وزير الدفاع بعد الإطاحة ب«السيسى» وحركة الاعتقالات التى ستواكب 30 يونيو وما بعدها، لكن «وصفى» أخبر «السيسى» بالأمر وقطع خطوط الاتصالات.
لكن الحكاية الأكيدة التى حكاها «السيسى» بنفسه هى اتفاقه مع «مرسى» على بنود خطابه قبل الأخير، الذى تصور فيه «السيسى» أن القيام بعدة إجراءات قد يخفف من حدة الناس ويمنع تفجر الأوضاع فى 30 يونيو، وفى المساء لم ينفذ «مرسى» الاتفاق الذى أبدى موافقته عليه من قبل، وفجّر الأوضاع من جديد. وهنا، هنا فقط، قرر الثعلب أن يتحول إلى أسد، لكن كانت معضلته الوحيدة هى: كيف يمكن أن يفعل ذلك دون حشد جماهيرى هائل؟.. وكان الحل فى 30 يونيو.
(5)
فى اليومين السابقين مباشرة ل30 يونيو كانت الأمور قد وصلت لمرحلة اللعب على المكشوف، وكلما قابلت أحداً من النخبة أو من الإعلاميين أو حتى من المواطنين البسطاء كانوا يتفقون على شىء واحد: «اصمدوا ثلاثة أيام فى الشوارع، وسينزل الجيش على رغبة الشعب».
والحقيقة أن أكثر ما ساعد على هذا الصمود هو الإخوان أنفسهم عبر منصة «رابعة العدوية»، وهنا قرر «السيسى» أن يتدخل بالقوة، ودون إراقة دماء فى هذا اليوم، ليتحفظ على «مرسى» ومستشاريه، ويهرب عدد كبير من رجاله، ويختبئ البعض الآخر، ويقبض على كثيرين منهم، وهنا تحول الثعلب إلى أسد يستولى على الحكم بالقوة.. لكن أى قوة؟
هى قوة الحشود الجماهيرية التى أطاحت ب«مرسى» وأعطت مشروعية لما فعله الجيش المصرى، و«السيسى» شخصياً، ولأنه درس فى الولايات المتحدة الأمريكية فقد لاعب «السيسى» أمريكا بنفس سلاحها، وهو فكرة «فرض» الديمقراطية، وفى مشهد تم إخراجه على عجل لكن بشكل جيد وموجى، ظهر «السيسى» مع ممثلين لطوائف مختلفة من الشعب تم انتقاؤهم بعناية ليعلن عن «خارطة مستقبل»، ويؤكد أن ما حدث هو خطوة فى سبيل الديمقراطية.
(6)
من المؤكد أن «باريتو» إذن يمكن أن يحار فى فهم موقف «السيسى» بعد كل ما حدث؛ فقد شعر «السيسى» أن طبيعة الأسد لا تناسبه بعد كل ذلك، وإن بعث برسالة للجميع مفادها أنه يستطيع أن يكون كذلك فى أى وقت، لكنه يفضل دور الثعلب، وهو ما يحدث منه الآن، لا سيما فى مسألة ترشحه للرئاسة، والأكيد أن الرجل إن لم يترشح لمنصب الرئيس، فقد أصبح رئيس الرئيس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.