لاهاي.. سوريا تطالب باستعادة حقوقها بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية    السودان يشترط تنفيذ بنود جدة قبل وقف إطلاق النار مع الدعم السريع    فلسطين تعلن تشكيل فريق وطني لمتابعة شئون المفقودين في غزة    أول تعليق من ترامب بشأن حاد إطلاق النار على عنصري الحرس الوطني    بعثة بيراميدز تصل إلى زامبيا لمواجهة باور ديناموز في دوري الأبطال    محامي رمضان صبحي: سنطعن على حكم الإيقاف أمام المحكمة الفيدرالية    تموين الدقهلية يداهم مخزن أسماك مملحة فاسدة وينقذ الأسواق من 8 أطنان خطرة على المواطنين    لقبوا أحد المتهمين ب "عمو الوحش".. تعليق صادم من محامي ضحايا "سيدز الدولية"    مائدة مستديرة لمكرّمي الدورة العاشرة بمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي    محافظ المنيا: المحافظة تحظى باهتمام القيادة السياسية لرفع كفاءة الخدمات الصحية    مصر للطيران تطلق أولى رحلاتها المباشرة بين الإسكندرية وبني غازي    مباشر أبطال أوروبا - أرسنال (0)-(0) بايرن ميونيخ.. بداية المباراة    إنفوجراف| تعرف على أنشطة مديريات الزراعة والطب البيطري خلال أسبوع    مياه الفيوم تطلق برنامجًا تدريبيًا مكثفًا لإعداد كوادر فنية شابة.. صور    بعد مصرع مسنة وحفيدتها قرية الصياد تتشح بالسواد.. ننتظر 5 جثامين من ابناءها في قنا    صاغته أذرع (الإيباك) .. أكاديميون ومحللون: قرار تصنيف ( الإخوان) صنع في تل أبيب    طالبات الدمج بمدارس الفيوم في زيارة تعليمية لكلية الآثار الأحد المقبل    تكريم الفرق المصرية المشاركة فى المنتدى الأفرواسيوى للابتكار والتكنولوجيا بماليزيا    إعلان نتائج "المعرض المحلي للعلوم والهندسة ISEF Fayoum 2026"    رسائل الرئيس الأبرز، تفاصيل حضور السيسي اختبارات كشف الهيئة للمُتقدمين للالتحاق بالأكاديمية العسكرية    أم مكة تستأنف على حكم حبسها في اتهامها ببث محتوى خادش    التيك توكر أم مكة تستأنف على حكم حبسها 6 أشهر بتهمة بث فيديوهات خادشة    انقطاع المياه عن بعض قرى مركز ومدينة المنزلة بالدقهلية.. السبت المقبل    عماد زيادة بطلاً أمام مي عز الدين في مسلسل " قبل وبعد"    عرض فيلم مرفوض في ملتقى أفلام المحاولة بقصر السينما    محمد شردي: المتحدة تواصل دعم المواهب وإبراز المبدعين ب دولة التلاوة وكاستينج    المؤتمر الدولي لكلية التمريض بجامعة المنصورة الأهلية يواصل فعالياته    سيف الحرية.. يوسى كوهين يكشف كواليس فشل خطة التهجير.. مدير الموساد السابق: مصر رفضت الفكرة والرئيس السيسي أسقطها بالكامل.. ويكشف كواليس حرب الظل بين تل أبيب وطهران لسرقة الأرشيف النووى واستهداف العلماء فى طهران    كلية الحقوق بجامعة أسيوط تنظم ورشة تدريبية بعنوان "مكافحة العنف ضد المرأة"    الكاميرات ليست حلاً «2»    الإدارية العليا تقضي بعدم قبول 14 طعنًا على نتيجة انتخابات النواب بالمرحلة الأولى    تامر حسنى يحيى حفلا غنائيا 20 ديسمبر بقصر عابدين    "الألحان الخالدة" تحتفي بروائع الشريعي وهشام نزيه بأداء أوركسترالي مبهر    فرصة وحيدة أمام رمضان صبحي لتجنب الإيقاف 4 سنوات بسبب المنشطات    حسام حسني: المستشفيات الجامعية تلعب دورًا محوريا في مواجهة الفيروسات الجديدة    وفد الصحة العالمية يشيد بريادة سوهاج في تنفيذ مبادرة المدارس المعززة للصحة    وزير الصحة يلتقي كبير الأطباء بمستشفى أنقرة بيلكنت سيتي    وكيل صحة بني سويف: إحلال وتجديد مستشفى سمسطا المركزي ب 2 مليار جنيه    وزير الثقافة ينعى الناقد الدكتور محمد عبد المطلب    جهاد حسام الدين: تجربتي في «كارثة طبيعية» صعبة.. ومستحيل أخلف 7 أطفال في الواقع | خاص    خالد الجندي: ثلاثة أرباع من في القبور بسبب الحسد    الزمالك يخطط لعودة رضا هيكل لتدعيم صفوف الطائرة    منتخب مصر للكرة النسائية تحت 20 عاما يفوز على تونس في بطولة شمال أفريقيا    السكة الحديد: إنشاء خطوط جديدة كممرات لوجيستية تربط مناطق الإنتاج بالاستهلاك    أخبار البورصة اليوم الأربعاء 26-11-2025    عُمان والبحرين يكملان عقد المتأهلين لكأس العرب 2025 في قطر    مصدر من منتخب مصر ل في الجول: 1 ديسمبر موعدا للمعسكر الختامي ل كأس إفريقيا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : استرح فى واحة الانس !?    الجدة وحفيدتها.. انتشال جثتين من أسفل أنقاض انهيار منزل بنجع حمادي    صوتك هو سلاحك.. نداء من نواب جولة الإعادة: لا مكان لشراء الأصوات    رئيس الوزراء ونظيره الجزائرى يشهدان توقيع عدد من وثائق التعاون بين البلدين    دوري أبطال إفريقيا.. قائمة بيراميدز في رحلة زامبيا لمواجهة باور ديناموز    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك "ميدوزا - 14"    انطلاق أعمال اجتماع مجلس وزراء الإعلام العرب بالجامعة العربية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 26-10-2025 في محافظة الأقصر    بعثة الأهلي تتجه إلى المغرب استعدادًا لمواجهة الجيش الملكي في دوري أبطال إفريقيا    دار الإفتاء تكشف.. ما يجوز وما يحرم في ملابس المتوفى    دعاء جوف الليل| اللهم يا شافي القلوب والأبدان أنزل شفاءك على كل مريض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الباز يكتب : الداهية والهلفوت.. أسرار وتفاصيل علاقة السيسى ومرسى من الوفاق إلى الصدام.. السيسى ومرسى وجهاً لوجه من اجتماعات وزارة الدفاع إلى لقاءات فندق بمصر الجديدة
نشر في الفجر يوم 01 - 11 - 2013


قبل أن تقرأ

لم يكشف الفريق أول عبدالفتاح السيسى عن كل ما جرى بينه وبين الرئيس المعزول محمد مرسى، فى مناسبات محددة وفى توقيتات أشد تحديدا، أفرج عن بعض الأسرار التى رأى أنها يمكن أن تدعم وجهة نظره وتؤيد موقفه فى تأييد ومساندة الثورة المصرية، وهى المساندة التى كانت قدرا أكثر منها مجرد قرار.

فى المقابل لم يفصح محمد مرسى عن شىء، المعزول السجين فى الغالب يهذى فى محبسه، يردد كلاما كثيرا ومعادا ومكررا عن الشرعية وعن كونه الرئيس المنتخب -هذا على سبيل الاحتمال الذى تسنده تقارير صحفية عديدة يتم من خلالها تسريبات لبعض ما يفعله الرجل فى عزلته الإجبارية- ولذلك فلن نجد منسوبا له شيئا يمكن أن نقرأ على ضوئه ما خفى فى العلاقة بينه وبين وزير دفاعه.



لكن ورغم ذلك فلدينا من المعلومات والوقائع ما يجعلنا ننسج -بما يقترب من الدقة- خيوط العلاقة التى ربطت بين الرجلين، وهى خيوط بدأت فى التشكل على مهل وبحذر شديد بعد ثورة يناير 2011، وانتهت تماما قبل ساعات من ثورة يونيو 2013.

شهور معدودة هى عمر علاقة السيسى بمحمد مرسى.. وهى العلاقة التى أعتقد أنه من المفيد توصيفها فى ثنائية واضحة، ومبررات التوصيف ودوافعه وأسبابه سأتركها لك.. يمكن أن تكتشفها بسهولة فى سياق سرد ما جرى بينهما ليس فى الاجتماعات العامة فقط، ولكن فيما جرى من لقاءات لم يطلع عليها الكثيرون.. وأصبح كثير من أطرافها متوفرا بين أيدينا الآن.

التوصيف صاغته النهاية، فالبدايات كانت ملتبسة ومراوغة.. أما النهاية التى كان عنوانها «عزل رئيس منتخب استجابة لثورة من انتخبوه بعد عام واحد من حكمه».. فهى تشير إلى أننا أمام «داهية» فى مواجهة «هلفوت».




الداهية نعرفه، أعماله تدل عليه.. ليس فى حاجة إلى إضافة شىء إليه حتى يتأكد لنا دهاؤه وإخراجه للمشهد على الوجه الذى يريده.. وهو داهية من نوع خاص، فارق هائل بين رقة حديثه ونعومة ألفاظه والهدوء الساكن بين عينيه، وما يقوم به ويقف وراءه من أحداث من شأنها إعادة تشكيل وجه مصر من جديد.. فأنى لرجل يسير بين الناس ويتحدث معهم بعذوبة شديدة، يكون هو نفسه من يجمع بين يديه كل الخيوط ويدير الأمور بصلابة وقوة وعنفوان قائد عسكرى لا يرحم.

أما الهلفوت فيحتاج إلى بعض الرتوش التى نضعها بين يديه.

كلمة الهلفوت فى الأساس لها أصل فرعونى.. مكونة من مقطعين، الأول «هال» ومعناها النصاب، والثانى «فوت» ومعناها يهرب.. وعلى الإجمال يكون الهلفوت بالفرعونى هو النصاب الذى يسرق ويهرب.. وأعتقد أن محمد مرسى يعبر عن هذا المعنى جيدا، فقد احتال هو وجماعته للفوز بالانتخابات الرئاسية، وبعدها قرر أن يخطف مصر كلها لتكون فى خدمة جماعته.. لكن الله سلم، فقد خرج من يقطع عليه طريقه قبل أن يحكم سيطرته على كل شىء.



مضى الهلفوت عبر العصور، فتعامل معه الرومان على أنه من القوادين وتجار الرقيق، ونظر له العرب على أنه من الغجر والشحاذين، ولما أصبح الإنسان يستمد قيمته من لقبه فى عهد محمد على وأسرته، فهذا باشا وهذا بك وهذا أفندى.. أصبح من لا صفة اجتماعية له مجرد هلفوت.

فى الذهنية الشعبية المصرية وبعيدا عن كل هذه المعانى، يستقر الهلفوت على أنه الرجل التافه الذى بلا قيمة، وهى أمور تحددها الأفعال.. ويترجمها محمد مرسى الذى كان مجرد تابع فى جماعة الإخوان، نفخوا فيه من أرواحهم ليكون رئيسا -هؤلاء الذين قال قائلهم يوما: «لو رشحنا كلبا ميتا لانتخبه الناس»- ليس لأنه الأكفأ ولا الأفضل، ولكن لأنه الأكثر قابلية للسيطرة وطاعة الأوامر وعدم المناقشة.. وحتى نهايته -التى يريد أتباعه الإشارة إليها على أنها بعض من آيات البطولة، فهو لا يزال صامدا- تشير إلى أنه ليس إلا تافها وبلا قيمة.

فبالله عليكم كيف لرجل أصبح رئيسا لدولة كبيرة مثل مصر وبالانتخاب ووراءه جماعة ضخمة تدعمه.. أن تنزع منه هذه الدولة فى أقل من ثلاث دقائق، هى تقريبا الفترة التى استغرقها بيان الفريق أول عبدالفتاح السيسى فى 3 يوليو 2013 الذى استجاب فيه لهتاف الملايين برحيل الرئيس الإخوانى وخلص به مصر والمصريين من مرسى ورفاقه.

قد تقول إن نتيجة المواجهة محسومة.. فأنت تضعها بين ثنائية «الداهية والهلفوت».. وعليه فليس من العدل أن نقيم مباراة بينهما.. لكن ماذا نفعل ودراما العلاقة بين السيسى ومرسى تفرض نفسها علينا.. دراما بدأت بما يمكن أن نسميه الإعجاب والارتياح وانتهت بالصدام العنيف الذى لم يبق وراءه شيئا ولم يذر.. دراما تسجل من بين ما تسجل جزءا مهما من تاريخ مصر.

تحت السطح كثير مما لا نعرفه.. وأعتقد أنه من حقنا أن نعرف.. على الأقل حتى نفهم بعضا مما جرى.. نعرف لماذا يصر مرسى وجماعته وإخوانه على أن ما حدث انقلاب؟.. ولماذا

يصر الشعب والجيش فى المواجهة على أن ما جرى كان ثورة حقيقية؟
فى هذه الحلقات بعض من الإجابة.

إذا بحثت عن أكثر خمسة فى مصر يعرفون الإخوان المسلمين جيدا فسيكون السيسى واحدا منهم، وإذا بحثت عن أكثر ثلاثة يعرفون الجماعة جيدا فى مصر فسيكون السيسى واحدا منهم، وإذا بحثت عن أكثر من يعرف أبناء حسن البنا وما يريدون وما يخططون له فى مصر فسيكون السيسى.

لا تضع هذا الكلام على هامش حالة الهوس الجماعى بالفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع، فهو عن حقيقة لا يمكن أن يتجاهلها أحد، فلو لم يكن يعرفهم ويدرك ما يخططون له، لما حمل رأسه على كفيه وتحمل مسؤولية دعم ومساندة ثورة كان هدفها ليس إزاحة مرسى من حكم مصر فقط، ولكن إخراج الإخوان المسلمين من المشهد السياسى تماما.. ثورة فشلها لم يكن له سوى معنى واحد هو إعدامه وتعليق رقبته فى ميدان التحرير.

لكن كيف عرف الفريق السيسى جماعة الإخوان المسلمين؟

كيف تعرف تحديدا على صقور الجماعة الذين تولوا قيادتها فى الفترة التى أعقبت ثورة

يناير، وحتى خروج الجماعة برئيسها خروجا مذلا بثورة يونيو؟

عندما تخلى مبارك عن السلطة فى 11 فبراير 2011، وتكليف المجلس العسكرى بإدارة شؤون البلاد، لم يكن اللواء عبدالفتاح السيسى بعيدا عن قلب الحدث، صحيح أنه لم يكن وجها إعلاميا بارزا.. لكنه كان حاضرا حضورا بالغا من وراء الستار.

تقريبا لم يتحدث إلا مرة واحدة خلال الفترة الانتقالية عندما اعترف بإجراء فحوص كشف العذرية معللا ذلك بأنه لحماية رجال الجيش ولحماية من يتم القبض عليهن، وكانت هذه شجاعة نادرة منه، فقد اعترف بينما أنكر آخرون من رجال المجلس العسكرى.

وتقريبا لم يأت الإعلام على سيرته إلا مرة واحدة.. لكنها كانت صاخبة ومدوية، وذلك عندما وضع بعضهم اسمه فى جملة مفيدة متهما إياه بأنه رجل الإخوان المسلمين فى المجلس العسكرى، وهو ما لم يعلق عليه السيسى وقتها ولم يهتم به من الأساس.

البعد عن الضوء لم يكن معناه أنه بعيد عن التأثير، كان السيسى - المولود فى 19 نوفمبر 1954 - أصغر أعضاء المجلس العسكرى سنا، لكنه كان أكثرهم أهمية، فطبيعى أن يكون رجل المعلومات الأول فى المجلس بوصفه مديرا للمخابرات الحربية هو من يحدد التوجهات والسيناريوهات وربما القرارات.. فهو من يعرف، ثم أنه كان يحظى بثقة المشير محمد حسين طنطاوى.. الذى كان قد عينه قبل ذلك رئيسا لفرع المعلومات والأمن بوزارة الدفاع.. وهو منصب بالمعايير الأمنية والعسكرية يعتبر الأهم داخل الوزارة.

تعرف السيسى على قيادات الإخوان الكبار - لم يكن مرسى من بينهم بالطبع - عن عمد، أما المعزول فقد تعرف عليه وزير الدفاع مصادفة، أو لنقل أن الأقدار وضعتهما وجها لوجه فى لحظة يمكن أن نؤرخ بها لمشوار امتد لما يقرب من العامين.

أما ما أقصده بالمعرفة عن عمد، فهى تخص معرفة عبدالفتاح السيسى بمحمد بديع مرشد جماعة الإخوان المسجون فى طرة الآن ونائبه الأول خيرت الشاطر الذى يجاوره فى نفس السجن، فقد كان يستضيف بديع والشاطر فى مكتبه بمبنى المخابرات الحربية، وعقد معهما عدة اجتماعات بالفعل فى حضور المشير طنطاوى والفريق سامى عنان.. وهى الاجتماعات التى كانت تفرضها طبيعة الأزمات التى جمعت بين الإخوان والمجلس العسكرى خلال الفترة الانتقالية.

السؤال: لماذا كانت تعقد تلك الاجتماعات فى مكتب عبدالفتاح السيسى بمبنى المخابرات الحربية، ولا تعقد فى مكتب المشير طنطاوى أو مكتب الفريق عنان فى وزارة الدفاع.. ولماذا لم يحضرها من الأساس بقية أعضاء المجلس العسكرى، وهل كان هناك فى الأمر ما ينبغى إخفاؤه؟

والإجابة: أن اختيار مكتب عبدالفتاح السيسى لعقد هذه اللقاءات كان لسبب بسيط، وهو أن مدير المخابرات الحربية كان المكلف بإدارة ملف الجماعات الإسلامية ومن بينها الإخوان المسلمين بعد الثورة، وذلك بحكم نشاط الجهاز المعلوماتى وقدرته على متابعة نشاط هذه الجماعات التى تشظت وانتشرت بعد الثورة، ولم يكن أحد يعرف على وجه التحديد أولها من آخرها.

أما لماذا لم يحضر آخرون؟

فربما تكون هناك تفاهمات من نوع ما جرت فى هذه الاجتماعات، وإن كنت أرجح أنها كانت تفاهمات من أجل المرور بمصر من المرحلة الانتقالية بسلام، وكان طنطاوى وعنان مقتنعين بالفعل أن جماعة الإخوان المسلمين هى الجماعة الأكثر تنظيما والأكثر قدرة على العمل، ولا أعتقد أن اللواء عبدالفتاح السيسى وقتها كان بعيدا عن هذا التصور، فكل الطرق كانت تؤدى إليه، خاصة أن المجلس العسكرى كان قد دعم الأحزاب الجديدة، وخاصة تلك التى أسسها شباب الثورة، ومن بينها حزب العدل الذى أسسه ورأسه مصطفى النجار، للدرجة التى كان المجلس العسكرى يدفع فيها تكلفة الإعلانات عن الحزب فى الصحف دعما له ومحاولة لتسويقه شعبيا، لكن فى النهاية لم يستطع أحد أن ينافس الإخوان المسلمين.

فى الاجتماعات التى كان الفريق السيسى يحضرها عندما كان مديرا للمخابرات سواء فى المجلس العسكرى، أو فى مكتبه مع قيادات جماعة الإخوان المسلمين، كان يضع ما لديه من معلومات أمام الموجودين، ويشرح سيناريوهات التعامل مع المواقف، ثم يترك المجتمعين ليأخذوا هم القرار.. ويشهد له من يعرفه أن من بعض دهائه أنه كان دائما ما يعرض ما لديه من معلومات ويشرح ما يمتلكه من سيناريوهات بالطريقة التى تدفع المجتمعين إلى اتخاذ القرار الذى يريده هو، والذى حدده مسبقا.

كان الفريق السيسى سببا فى امتصاص كثير من غضب جماعة الإخوان وتوترها.
وأعتقد أن البداية كانت من هنا.

فى 15 إبريل 2012 كان المشير طنطاوى قد دعا إلى اجتماع يحضره ممثلو القوى السياسية المختلفة، وبحضور عدد من نواب مجلس الشعب المستقلين.. لمناقشة أزمة إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور بعد حكم محكمة القضاء الإدارى الذى قضى بحل الجمعية.




فى الاجتماع كان محمد مرسى - ممثل حزب الحرية والعدالة - غاضبا، فالعواصف كانت تحيط بالعلاقة التى تربط بين المجلس العسكرى والإخوان، الجماعة تتهم المجلس أنه سيزور الانتخابات الرئاسية لمرشح ترضى عنه المؤسسة العسكرية، والمجلس يلوح بسيناريو 54 مرة أخرى، فى إشارة إلى الضربة القاسية التى وجهها عبدالناصر إلى الإخوان بعد تورطهم فى محاولة اغتياله الفاشلة بميدان المنشية فى الإسكندرية.

كان الصحفى والسياسى مصطفى بكرى نائب مجلس الشعب المستقل وقتها حاضرا هذا اللقاء، ولأنه كان يحظى خلال هذه المرحلة بثقة الجيش والإخوان على حد سواء - بعد ذلك انقلب الإخوان عليه كما يفعلون دائما - فقد طلب من المشير طنطاوى أن يجلس مع محمد مرسى والاستماع إلى وجهة نظره فى الخلاف بين المجلس والجماعة.

لم يستجب المشير لطلب بكرى لأنه كان مرتبطا بموعد مسبق، لكنه كلف ثلاثة من أعضاء المجلس العسكرى بالجلوس مع مرسى والاستماع منه، وكان من بين الثلاثة اللواء عبدالفتاح السيسى.



استمر هذا اللقاء ما يقرب من نصف ساعة، خرج بعدها محمد مرسى بانطباع جيد عن اللواء السيسى، لقد كان هناك توتر دائم فى العلاقة بين الجيش والإخوان، كان الصدام بينهما هو الأقرب من الاتفاق.. لكن مرسى وجد فى السيسى نمطا مختلفا، فهو يستمع جيدا لمن أمامه، لا يعلق إلا بكلمات قليلة، كما أنه يمنح من أمامه ثقة بأنه يصدق ما يقوله ويقتنع به.
محمد مرسى كان لديه رأى محدد فى السيسى، قاله لمصطفى بكرى فى اليوم التالى للقاء، فقد وجد فيه قائدا صاحب رؤية وفكر عميق.. كما أنه حريص على تجاوز الأزمات بين المجلس العسكرى والجماعة.



لم تكن هذه هى المرة الأولى التى يرى فيه السيسى محمد مرسى.. كان يراه بشكل عابر فى بعض الاجتماعات التى عقدت بين أعضاء المجلس العسكرى وقيادات الأحزاب والقوى السياسية، لكن كانت هذه هى المرة الأولى التى يجلس إليه مدة طويلة وبشكل مباشر.
الانطباع الأول كان مهما جدا، لقد اطمأن محمد مرسى للسيسى، ولأن رئيس حزب الحرية والعدالة كان قد تم الإعلان عن ترشحه للرئاسة كاحتياطى لخيرت الشاطر قبل هذا اللقاء بحوالى أسبوع واحد فقط - رشحته الجماعة للرئاسة فى 7 إبريل 2012 - فقد كان مهما أن يلتقيه السيسى ويقترب منه.. تحديدا بوصفه مديرا للمخابرات الحربية، والرجل المسؤول عن إعداد تقارير مفصلة عن مرشحى الرئاسة الذين أصبح محمد مرسى بالفعل واحدا منهم.

لم يكتف السيسى بالمعلومات المتوفرة عن محمد مرسى، ولكن قرر أن يلتقيه أكثر من مرة، وهو ما حدث بالفعل، فقد جمعت بينهما عدة لقاءات فى أحد الفنادق التابعة للقوات المسلحة فى مصر الجديدة، وهى الاجتماعات التى لم يكن الهدف منها الاتفاق على شىء محدد أو توصيل رسائل محددة، رغم أن محمد مرسى كان يستعد للمعركة الرئاسية، ولكنها كان لقاءات تم فيها اكتشاف كل من الرجلين للآخر.. وقد تكون هذه الاجتماعات تحديدا هى التى قادت محمد مرسى لاختيار السيسى وزيرا للدفاع بعد ذلك، فقد عرفه عن قرب، وهو الاختيار الذى ما كان ليتم له إلا بعد الرجوع لجماعته بالفعل.

كان محمد مرسى يعرف أن التعامل مع المؤسسة العسكرية فى حالة وصوله إلى السلطة لن يكون أمرا سهلا، فميراث الغضب الذى يجمع بين الجيش والجماعة ليس هينا، ولا يمكن تجاوزه بسهولة، ولذلك كان من المهم الوصول إلى شخص تطمئن له الجماعة من بين أبناء المؤسسة العسكرية، لكنه فى الوقت نفسه يكون مناسبا للمواصفات التى تريدها الجماعة فى وزير الدفاع الجديد.

كان مرسى مثل السفينة التائهة، لكنه عندما عثر على الفريق السيسى شعر أنه وصل إلى الشاطئ الذى يريده، ولم يكن الحكم عشوائيا، ففى الوقت الذى كان السيسى مهتما بجمع أكبر قدر من المعلومات عن محمد مرسى، كان هناك من يجمع معلومات عن الفريق السيسى.

مؤكد أن انطباع مرسى الأول عن السيسى تبدل وتغير أكثر من مرة، فلم يكن هو الرجل الطيع الذى يريد أن يتجاوز الأزمات طول الوقت.. بل كان هو من أوقف عجلة التاريخ ليعيد تشكيلها من جديد، عندما وجد أن الأزمة التى تقف وراءها الجماعة لا يمكن التهاون معها، فهى أزمة تهدد هوية أمة ومستقبل شعب.

الآن بقيت الإشارة إلى انطباع السيسى عن محمد مرسى، رأى العسكرى المجرب أستاذ الجامعة الإخوانى مجرد رجل طيب، وهنا يمكن أن نركن إلى أن الانطباعات الأولى التى كونها السيسى عن مرسى دامت بالفعل، فهو لا يزال حتى الآن ينظر إلى المعزول على أنه مجرد رجل طيب تلاعبت به جماعته حتى أوردته موارد التهلكة.. لم يكن له من الأمر شىء لا فى أوله ولا فى آخره.

وعندما صعد مرسى إلى عرش مصر، ونادى فى قادة الجيش عندما استقبلوه ليسلموه السلطة فى معسكر الهايكستب أنه قائدهم الأعلى، كان السيسى يراقب وينتظر، كان يعرف أن هذا الذى جاء من صفوف الإخوان لن يهدأ حتى يعيد تشكيل القيادة العسكرية على عينه وبما يريده ويحتاجه هو.

فى الفترة التى قبل فيها محمد مرسى مشاركة طنطاوى وعنان له السلطة على مضض «30 يونيو - 12 أغسطس 2012»، اقترب أكثر من اللواء عبدالفتاح السيسى، وكان للاقتراب مبرره، فبعد حادث مقتل جنود الجيش فى رفح قبل الإفطار فى رمضان، كانت المخابرات الحربية هى التى تتولى التحقيق فى الحادث، ولأن مرسى كان يعتبر نفسه القائد الأعلى للقوات المسلحة، فقد كان يطلب السيسى كى يطلعه على التحقيقات، وهو ما كان يفعله مدير المخابرات بشكل طبيعى جدا، خاصة أن المشير طنطاوى لم يعترض مطلقا على أن يكون التعامل بين الرئيس ومدير المخابرات مباشرا ودون المرور عليه.

هل لنا أن نترك القدر يطل برأسه علينا قليلا.

فى اليوم الذى طلب فيه محمد مرسى طنطاوى وعنان مخططا للانقلاب عليهما - 12 أغسطس 2012 - كان هناك اجتماع للمجلس العسكرى لم يحضره اللواء عبدالفتاح السيسى، الذى كان قد تلقى هو الآخر استدعاء من محمد مرسى للحضور إلى قصر الاتحادية.. أعتقد أن هذه زيارة عادية من الزيارات التى تكررت على هامش رغبة مرسى فى معرفة مصير تحقيقات حادث رفح - هى نفسها التحقيقات التى أصر على عدم إعلانها أو الإفصاح عنها طوال فترة وجوده فى السلطة - إلا أنها كانت الزيارة الفاصلة، فلم يخرج السيسى من القصر إلا وزيرا للدفاع، بينما خرج طنطاوى وعنان ليسمعا خبر خروجهما من منصبيهما عبر الراديو.. بعد أن فتحه سائق سيارتهما ليعرفا آخر الأخبار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.