بعد أشهر من التكتم، توصل مجلس الوزراء البريطاني لاتفاق على أمل التغلب على انقاسامات الحكومة والدفع بالمحادثات المتعثرة بشأن شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" عقب استفتاء يونيو 2016، بإنشاء منطقة تجارة حرة للبضائع الصناعية والزراعية مع الاتحاد، وأخرى جمركية مشتركة. وبعد اجتماع حاسم في منزل رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، توصل أعضاء المجلس ال26 لبيان "تشكرز"، نسبة لاسم المنزل الريفي، لقبول بريطانيا بمواصلة التوافق مع قواعد الاتحاد الأوروبي بشأن تجارة البضائع، بما يغطي القضايا الضرورية فقط، لضمان انسيابية التجارة، وسيكون للبرلمان القول الفصل بشأن كيفية دمج تلك القواعد مع القانون البريطاني، محتفظا بحق رفض عمل ذلك. وتضمن بيان "تشكرز"، الذي أعلنه مقر رئاسة الوزراء البريطانية "دواننيج ستريت"، وضع ترتيبات جمركية مع هدف إنجاز منطقة جمركية مشتركة، وستكون بريطانيا قادرة على تنظيم تعريفاتها الجمركية الخاصة وتطوير سياسة تجارية مستقلة، وسينتهي العمل بتشريعات محكمة العدل الأوروبية، ولكن ستحترم بريطانيا قراراتها في المناطق التي تسري فيها قوانين مشتركة. ووصف البيان المقترح ب"التطور الجوهري"، الذي يسرع من وتيرة المفاوضات في محاولة لإنجاز اتفاق بحلول أكتوبر المقبل قبيل المغادرة البريطانية من الاتحاد نهاية مارس المقبل. ويعد الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي هدفا لجماعات الضغط والأحزاب السياسية، وعلى رأسها المحافظين، منذ انضمام المملكة المتحدة للسوق الأوروبية المشتركة عام 1973، ووافق استفتاء جرى عام 1975 على بقاء عضوية المملكة ضمن السوق الأوروبية بنسبة 67%، إلا أن استفتاء يونيو 2016 جاء ليعلن خروج بريطانيا بنسبة 52% من الناخبين. كان المفاوض الأوروبي ميشيل بارنيه، أشار إلى أن الاتحاد راغب في تغيير موقفه إذا خففت بريطانيا من "خطوطها الحمراء"، محذرًا في الوقت نفسه من أن أي شيء "يضر" بالسوق الواحدة لن يقبل وكتب بارنييه على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "سنعكف على تقييم المقترحات لنرى ما إذا كانت قابلة للتنفيذ وواقعية"، فيما وصفت رئيسة الوزراء البريطانية المقترح بأنه "خطوة مهمة" في عملية التفاوض من أجل خروج سلس لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وأضافت: "بالطبع، ما زال لدينا عمل لانجازه مع الاتحاد الأوروبي لضمان أن نصل إلى نقطة النهاية في ولكن هذا شيء جيد، لقد خلصنا اليوم، بعد نقاشاتنا المستفيضة، إلى مستقبل إيجابي لبريطانيا". وأوضحت أن المقترحات، التي ستنشر في كتاب أبيض الأسبوع المقبل، ستعطي بريطانيا حرية عقد صفقات تجارية مع بلدان أخرى مع محافظتها على المعايير التنظيمية والبيئية وتلك التي تتعلق بالمستهلك. وفيما يتعلق بمنطقة التجارة الحرة، أكدت: "اقتراحنا سيوجد منطقة للتجارة الحرة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تؤسس لقاعدة مرجعية مشتركة للسلع الصناعية والمنتجات الزراعية اتفقنا أيضا على نموذج جديد للجمارك يرضي قطاع الأعمال مع حرية عقد اتفاقات تجارية جديدة حول العالم". ووصف خبراء الاقتصاد المقترحات البريطانية الأخيرة بمحاولة مقنعة لإبقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي، واعتبر الدكتور مصطفى بدره الخبير الاقتصادي، بأنه يعكس غياب الرضا عن نتيجة استفتاء يونيو للخروج من الاتحاد الأوروبي، خصوصًا بعد التكلفة الاقتصادية التي تتكبدها المملكة بفعل الخروج الذي يهدم علاقات اقتصادية تمتد لعشرات السنين. وأضاف الخبراء، ل"الوطن"، أن المقترح يحفظ ماء وجه بريطانيا الاقتصادي، وخصوصًا أن إنشاء مناطق تجارية مشتركة والمناطق الجمركية من النقاط الجوهرية في التعاون المشترك مع التكتلات الاقتصادية العالمية. "عمليا بريطانيا لا تزال موجودة داخل الاتحاد الأوروبي اقتصاديا"، هكذا قرأ الدكتور إيهاب الدسوقي رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم والخبير في المحكمة الاقتصادية، بنود بيان "تشكرز"، مضيفا ل"الوطن"، أن بريطانيا أدرجت أن وضعها الاقتصادي سيكون أفضل في ظل استمرار وجود خيوط تربطها بالاتحاد الأوروبي تغذي اقتصادها. وأكد أن إنشاء منطقة حرة تعد خطوة ترد على القرارات الأمريكية بفرض رسوم جمركية حمائية ضد عدد من الدول العالم، تتضرر منها دول الاتحاد الأوروبي، ما يجعل موافقة بريطانيا على الاستمرار في الشراكة التجارية مع الاتحاد أحد طرق المواجهة في الحرب التجارية العالمية.