(1) قبل ثورة 25 يناير رفضت جماعة الإخوان تقنين أوضاعها، على اعتبار أن كل مؤسسات المجتمع المدنى كانت آنذاك مستباحة من قبل جهاز مباحث أمن الدولة، الذى أطلق نظام الحكم يده فى اختراق الأحزاب وتفجيرها من الداخل، إذا لزم الأمر، وفرض الحراسة على النقابات القوية والفاعلة، وحل مجالس إدارات الجمعيات التى لا تنصاع لتعليمات الجهاز... إلخ، حتى المؤسسات الرسمية للدولة كانت تعانى من هذا التدخل.. ومن ثم كان لدى قيادة الجماعة المبرر أمام الآخرين بعدم التقدم لإنشاء جمعية، بالرغم من أن الجماعة كانت تتعرض لانتهاكات شديدة من قبل الجهاز. إضافة إلى السبب المذكور آنفاً، كان هناك سبب آخر يحول دون تقنين وضع الجماعة، وهو عدم إخضاع تمويلها وأنشطتها المالية لإشراف الجهاز المركزى للمحاسبات، وكذا اطلاع وزارة الشئون الاجتماعية، وبالتالى جهاز مباحث أمن الدولة، على أعضائها وهياكلها التنظيمية والإدارية، وخططها وبرامجها، وإن كان هذا الأخير يعرف عنها الكثير. وقد رضى نظام الحكم بذلك، وبقيت جماعة الإخوان تمارس أنشطتها -كجماعة محظورة فى وقت، وغير محظورة فى وقت آخر- خلال الفترة من منتصف السبعينات فى القرن الماضى حتى قيام ثورة 25 يناير 2011. خلال عهد الرئيس الراحل أنور السادات لم تلقَ الجماعة تضييقاً يذكر، وإن كان قد اعتقل رموزها وعلى رأسهم الأستاذ عمر التلمسانى المرشد العام للإخوان، مع رموز أخرى شملت كافة ألوان الطيف السياسى، وذلك فى فجر 3 سبتمبر عام 1981. فى عهد الرئيس المخلوع مبارك، كانت أزمة العلاقة بينه وبين جماعة الإخوان تشتد حيناً وتفتر حيناً آخر، وبالرغم من ذلك لم يتوقف نشاط الجماعة الدعوى، بل إنها كانت حريصة على خوض انتخابات المجلس النيابى كما حدث فى أعوام 1984 و1987 و1995 و2000 و2005 و2010. فى عام 1995 تصاعدت الأزمة، حيث التضييق والملاحقة والمطاردة والمحاكمات العسكرية والحبس الاحتياطى حتى عام 2005، ثم عادت تطل برأسها من جديد فى نهاية عام 2006، واستمرت حتى قيام ثورة 25 يناير 2011. (2) عقب قيام ثورة 25 يناير، تمتع الشعب المصرى بحرية غير مسبوقة، وكان المفترض أن تقوم الجماعة بتوفيق أوضاعها طبقاً لقانون الجمعيات، حيث لم تعد هناك تلك التدخلات التى يقوم بها جهاز مباحث أمن الدولة، خاصة أنه تم السماح لها بإنشاء حزب سياسى هو حزب الحرية والعدالة.. كانت أمامها فرصة تثبت فيها إعلاءها واحترامها لسيادة القانون، لكن قيادة الجماعة أبت ذلك. كما أتيحت لها فرصة ثانية عندما وصل الدكتور مرسى إلى قمة هرم السلطة، لكنها أهدرتها هى الأخرى.. تناست الجماعة أن مشروعية أى نظام حكم تقوم على أساس احترام الدستور والقانون وتنفيذ أحكام القضاء. كان موقفاً غريباً وشاذاً، إذ كيف يكون رئيس الدولة، المنوط به احترام الدستور والقانون، ثم لا تقوم جماعته بتقنين أوضاعها؟! ومن المضحك المبكى أن أول قرار اتخذه الدكتور مرسى بعد حلفه اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا هو إهدار حكمها بشأن عدم دستورية قانون مجلس الشعب (!) وقد ارتأى بعض أساتذة القانون الدستورى أن الدكتور مرسى بهذا القرار قد فقد شرعيته بالفعل. ثم كان إصداره للإعلان الدستورى المشؤوم فى 21 نوفمبر 2012 الذى جعل من نفسه فيه فرعوناً، حيث شهدت البلاد منذ ذلك التاريخ انقساماً حاداً، واحتراباً أهلياً، وعنفاً مجتمعياً.. طالبته المعارضة بإقالة حكومة قنديل، واختيار نائب عام آخر، طبقاً للأعراف الدستورية، والتوافق على إجراء بعض التعديلات فى دستور 2012، إلا أنه لم يستجب لها، بل استمر هو ومناصروه فى الرفض والتحدى.. تحدث إليه الفريق أول السيسى بأن ثمة غلياناً فى الشارع المصرى يطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، غير أن الرجل لم يأبه به، وكانت النتيجة خروج عشرات الملايين من شعب مصر فى30 يونيو 2013، فى ثورة غير مسبوقة فى التاريخ الإنسانى تطالبه بالرحيل، ثم خروجها مرة ثانية بعدها بثلاثة أيام، أى فى 3 يوليو، بنفس العزم والتصميم والإصرار.. حينذاك انحاز الجيش إلى الشعب صاحب الشرعية ومصدر السلطة، وتم عزل الدكتور مرسى ومُنعت حرب أهلية، كانت وشيكة الوقوع. (3) لقد حاول الإخوان ومناصروهم استعادة شرعية سقطت قبل أن تسقطها الثورة، وذلك من خلال اعتصامات وتظاهرات وأعمال عنف وإرهاب فى سيناء وفى غيرها، ففشلوا وكلفهم والوطن ذلك غالياً. اليوم يحاولون تحسين شروط تفاوض -أحسبه لن يتم- مع الشرعية الجديدة، باستمرار ممارسة ضغط التظاهرات فى الشوارع والجامعات، ومع التظاهرات تتواصل فى ذات الوقت أعمال عنف وإرهاب هنا وهناك بهدف إنهاك الجيش والشرطة.. سوف يكون مآل هذه جميعاً الفشل، وسوف تنتهى -إن عاجلاً أو آجلاً- إلى لا شىء، اللهم إلا مزيداً من نزيف الدم، ومزيداً من الكراهية تجاه من قالوا إنهم يحملون «الخير» لمصر.