طاقية شبيكة حمراء اللون تخفى صلعته، وجسم نحيل، يقبض بيديه الرفيعتين على «عجلة عتالة»، ينكفئ بوجهه أرضاً ثم ما يلبث أن يردد بعض الكلمات الربانية: «المعين هو الله سبحانه وتعالى» فتتخلل القوة عروقه وترتسم ملامح الشباب على وجهه ويجد جنود الله من المواطنين قد سُخروا لمساعدته، فيحنى عم «صبحى» ظهره ويسير فى ذلك الطريق الضيق الذى يُخرجه من ظلمات شارع الغورية إلى نور المشهد الحسينى. يناديه أصحاب المحال ب «أبوخالد» فهو من أقدم «الشيالين» فى المنطقة، عمره فى شارع الغورية هو نفس عمر «حسنى مبارك» فى حكم مصر، «صبحى» ألقى على كتفيه البضائع، بينما «مبارك» ألقى بحموله على الشعب. لم ينل «أبوخالد» حظه من التعليم، وهو العائل الوحيد لأسرته المكونة من أم و6 أولاد، جميعهم متزوجون، «شيل الحمول» أصبح عادة أساسية فى حياته، فهموم الحياة العادية بالنسبة له شىء لا يُذكر، يرضى الرجل الستينى بمهنته التى يجنى من ورائها بضعة جنيهات كافية بالنسبة له: «أغلب الزباين اللى بتدخل الغورية بيشتروا يا إما بطاطين أو جهاز العروسة، وأنا بشيل أى حاجة.. لو كانت خفيفة أو تقيلة.. كله هيتشال غصب عنى». 6 ساعات نوم كافية لعم «صبحى» حتى يستعيد قوته التى خارت فى العمل من جديد، أذان الفجر هو ميعاد استيقاظه، يجر عجلة العتالة طوال أكثر من 16 ساعة، يكاد ينزلق عشرات المرات لكن «حنية الناس» عليه تجعلهم يساعدونه فى حمل حموله: «ساعات بلاقى الأجنبى بيزق ورايا العجلة وبيساعدنى.. ده حب من ربنا.. الحمد لله». يسخر ويضحك فتظهر أسنانه وغمازاته التى تزيده شباباً عندما يتذكر الأغنية الشعبية «شيال الحمول»: «شيال الحمول من صغرى.. أنا كنت السبب ف همومى.. والدنيا عامت على عومى.. شيال الحمول من يومى للناس والحبايب.. أنا قولت الزمان اتغير وهلاقى حبايب.. البخت اللى مايل مايل مش عايز يا دنيا جمايل».. لكنه يرفض كلماتها مكتفياً بالعمل حتى الموت.. كل ما يتمناه من الله أن يزوده بالصحة حتى يعمل لآخر رمق فى حياته.