بعد أن لفظته أرض المحروسة، ولم يجد بضعة أمتار تأويه هو وأسرته الصغيرة، ارتمى فى أحضان نهر النيل، عله يكون أكثر كرماً وترحاباً به. «فلوكة» خشبية، هى المكان الذى اتخذه عم «متولى» سكناً وعملاً له منذ سنوات عدة، فيبحر بها صباحاً، ليصطاد السمك، ويرى ما يجود به النيل على أسرته، وفى نهاية اليوم ينام وزوجته وابناه محمد وعلا فى نفس المكان، الذى يسعهم بالكاد، ويسع معهم «الوابور» الصغير لتسخين الطعام. «متولى» جاء من الشرقية إلى القاهرة بحثاً عن لقمة عيش وحياة كريمة، لم يهنأ بأى منهما فى ظل ظروف معيشية غاية فى الصعوبة، وقلة فرص العمل، وبالتالى قلة الدخل، ومن خلال أحد معارفه دخل «متولى» عالم نهر النيل الواسع. الحزن الذى يشعر به «متولى» فى الأيام الصعبة، التى لا يستطيع فيها أن يحصل على رزقه من صيد السمك، لم ينقص يوماً عشقه لنهر النيل، فبداخله يقين لا ينقطع أن النيل لن يبخل عليه كثيراً، وإذا لم يكرمه فى مرة، فالرزق يكون وفيراً فى المرات التالية. أهمية المحافظة على مياه النيل، هى القضية التى يريد «متولى» أن تصل للجميع، خصوصاً أنه يكون شاهداً يومياً لسيارات القمامة التى تلقى بمخلفاتها فى مياه النهر، الأمر الذى يصيبه بالحزن الشديد، وكأنها ألقت بمخلفاتها داخل منزله: «الغبى هو اللى يوسخ حاجة بيشرب وياكل منها». لا يُتابع أخبار سد النهضة، ولا يعنيه الاتفاقيات التى تجريها مصر مع الدول الأفريقية التى تشاركنا فى منابع النيل، فأى شىء سيحدث لن يؤثر على مساحته الشخصية فى النيل، التى لن يتركها أبداً، فقط ما يشغله هو أن توافق الحكومة على اعتبار النيل سكناً له، يمكن أن يُدوَّن فى خانة عنوانه بالبطاقة الشخصية، بدلاً من محل إقامته السابق فى الشرقية: «علاقتى بالأرض الحبل اللى بيربطنى بالشط.. غير كده النيل هو بيتى ومكانى».