رحل الكاتب أحمد خالد توفيق أو كما يحب البعض أن يلقبوه العراب.. ذلك الكاتب المميز، المختلف والمتمرد بأحيان كثيرة.. فهو الذى استطاع أن يجذب جيلاً كاملاً من الشباب ويظلوا معه متجاورين حتى انتهاء الرحلة. لا أدعى بأننى من مجاذيب العراب ولا أستطيع أيضاً أن أنكر دوره فى الثقافة المصرية والعربية، ولكن فلننظر للأمر بحيادية تامة لنرى كيف لهذا المبدع أن قام بقلمه وعبقريته ومنتهى التلقائية وبساطة كتابته تحريك المياه الراكدة فى ثقافتنا مرتين فى خلال ما يزيد عن خمسة وعشرون عاماً. فى بداية التسعينات لم يكن هناك جيلاً يقرأ بحق، ولا جيلاً يكتب إلا من رحم ربى أو القلة الباقية من عظماء الستينات، وحينها كان الشباب والمراهقون بتلك المرحلة (أواخر القرن العشرين) محاصرون بين شرائط الفيديو بما تحمله من أفلام ( بروس لى ) وسينما مصرية تجارية حتى النخاع! وبين انتشار المخدرات بشكل ملحوظ فى تلك المرحلة، ومن كان يقرأ قليلاً كان يذهب الى الأدب المترجم حتى ظهر من جاءوا بموجة ودماء جديدة الى الثقافة المصرية فى شكل مجموعة (روايات مصرية للجيب)، وتنوعت بين حكايات الفانتازيا والرعب والجريمة وبالطبع رواد تلك الضجة الجديدة هم العظيمين نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق، وبالطبع مع ظهور تلك النوعية وحتى الأن مازال كل مدعى للثقافة أو علم أو متعالى يرى بأن موجة التجديد تلك فى ثقافتنا المصرية كانت لا شيء وهذا بالطبع يدل على أنهم لم يقرأوا حرفاً واحداً مما كتبه هؤلاء الرواد! وتميز أحمد خالد توفيق واستطاع بتلك المرحلة أن يأخذ جيلاً كاملاً داخله وداخل عقل هذا الطبيب فقدم بشكل بسيط وممتع ومشوق بكل رواياته وقصصه معلومات طبية وعلمية ضخمة، فلا سبيل لشاب أن يعرف الطب الشرعى وعمله وكيف يحددون موت شخص عن طريق التشريح سوى من روايات أحمد خالد توفيق، ودوماً ما استطاع أن يجعلنا نتعاطف مع أبطاله وربما نبكى من أجلهم وهو أيضاً من قد استطاع هدم أساطير الرعب والشعوذة التى ظلت عالقة بأذهاننا وبالعالم أجمع فى مجموعة من المقالات وبحثه الدؤوب عن الحقيقة فكان يستمتع بما يفعل ، فلم يكن يوماً أحمد خالد توفيق كاتباً مسلياً كما كان يتواضع ويقول دوماً ولكنه كان لديه مشروع واضح لمن لديه عقل يرى به. ظل أحمد خالد توفيق على هذه الحالة 20 سنة محتمياً بجيل من الشباب تربى وتكون وعيه داخل عالم العراب الخاص، فأصبحوا له مريدين وشغوفين للجديد منه دوماً وهناك من هؤلاء من صار منهم كتاب شباب يسيرون على الدرب الذى طالما قد نهله منه ويلقبون بالوسط الثقافى والأدبى بأبناء أحمد خالد توفيق.. إلى أن جاء الضيف الصامت كالمفاجأة ليأخذ معه العراب الى العالم الأخر فالصدمة قد أحاطت بالجميع من يعرفونه ومن لا يعرفونه.. وهنا أبى أحمد خالد توفيق أن يرحل دون أن يحرك المياه الراكدة مرة أخرى ولكن برحيله. بعد عشرون عاماً الوضع اختلف تماماً صار الكتاب أكبر عدداً من القراء! واتسعت الفجوة بين الشباب والجيل القديم أكثر فأكثر هؤلاء لهم عالمهم الخاص وهؤلاء أيضاً وكل يغنى على ليلاه وبين اتهامات بأن الشباب ضائع وبأن القدماء لا يتصلوا بمن هم أصغر منهم سناً ظللنا بتلك الدائرة ليبتسم الينا العراب من مكانه ويؤكد لنا أن هذا ما يريده، اقرأوا وتكلموا وتناقشوا واستمعوا، ولجيل القدماء ليتهم يفعلوا مثلما فعل العراب باقترابه من الشباب وصار صديقاً لهم ورفيق للرحلة فاستحق محبة قلوبهم وعشقهم . رحم الله العراب وبالطبع هو الأن سعيد بما قد قدمه لكل إنسان قرر يوماً أن يمسك بكتاب ويفكر. دمتم سالمين