اقلع غماك يا تور وارفض تلف اكسر تروس الساقية واشتم وتف قال: بس خطوة كمان.. وخطوة كمان يا أوصل نهاية السكة يا البير تجف عجبى!! واثق الخطوة يمشى ملكاً، فى الغابة، حيث الخضرة والشجر والطير يشدو بألحانه، يزمجر، يطلق الرعد من بين شدقيه، يسكن الجميع، الطبيعة تتوارى، والحيوانات مهما بلغ حجمها تنزوى.. فالنمر يسير فى خطى وئيدة، لا يلوى على شىء، ينظر للجميع من عل. حين يضطرب جوفه طالباً الطعام يشخص إلى الغزالة، أو أى حيوان تشتهيه نفسه، ينشب فيها مخالبه القاتلة، يقبض عليها بشراسة، ويلقى بها فى معدته، غير آبه بما حوله. يحث الخطى من جديد، إلى أقرب نهر، يخرج لسانه الطويل، ويزيل تشققه، بدفقات من المياه تتسرب إلى داخله، عائمة مع اللحم والدم الذى التهمه منذ قليل. الحال يتبدل، يفضى إلى كارثة كونية لهذا النمر، إذ إن أحداً نصب له فخاً، فوقع فى شباكه أسيراً. تكسرت عزته على صخرة الضعف. أحس للمرة الأولى أن هناك من يملكه، بعد أن ذرع الغابة وجاب كل ضواحيها، دون أن يعترضه عارض أو يجرؤ على ملامسته كائن أياً كان. انقلب من رحابة الغابة إلى ضيق القفص، سجين حديد ثقيل طولى، يتحرك يمنة ويسرة فلا يجد سبيلا للخروج، يرفع كفه اليمنى، يحاول أن ينشب مخالبه فى حديد القفص، فلا يجتر سوى غصة الفشل، ومرارة الضعف. يلقى له رجل يرتدى ملابس مبهرجة، ويمسك بسوط، بقطعة لحم، يهرول ناحيتها، ليسد رمقه، ملبياً نداء بطنه التى خوت على عروشها، بعد أن تم أسره بعيداً عن ممكلته، كان عزيزاً وسط كارهيه من الحيوانات، لكنه كان بيته، وأصبح ذليلاً بين محبيه من بنى البشر، لكنه بات محبسه. يضع له ذات المُروّض، حلقة دائرية نارية، حرارتها تصل إلى فرائه، يقف مترقباً جائلاً بلا هدى داخل القفص، بغتة يفتح القفص، يضربه بالسوط فى عنف، فيصيبه ذعر عنيف، إذ إنها أول مرة يُهاجَم فيها من أحد، يزمجر، فيتلقى الضربة الثانية. يذهب حامل «الكرباج» بصندوق به أكثر من قطعة لحم، يقف خلف تلك الحلقة النارية، يسمع دوى أيدى تصفق، وشخوص يهتفون مطلقين صفافير. ينظر النمر نظرة كسيفة، يعود بذاكرته إلى أوقات كان يقفز بطلاً، الآن يقفز كبطل، لكنه بطل من ورق، باحثاً عن قطعة لحم.