تتقلص كل يوم فرص جماعة الإخوان المسلمين فى محاولة إنقاذ تنظيمها التاريخى، ووضع التصور النهائى لحمايته واستمراريته فى الحياة السياسية والاجتماعية الجديدة بعد ثورة 30 يونيو. إذ لا يوجد شك فى أن مرور الوقت يشكل عبئا ثقيلا على قيادات التنظيم للإجابة عن السؤال الأخطر والأهم فى تاريخ الجماعة وهو: ماذا بعد؟ ماذا بعد عزل مرسى؟ وماذا بعد تحميل المجتمع والدولة مسئولية العنف فى سيناء والمحافظات للجماعة وتسطير صفحات جديدة وموثقة من صفحات العنف الذى طالما قالت الجماعة عنه إن من قام به فى الماضى ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين؟ ماذا بعد إصرار الدولة على تجاوز الإخوان، وربما التيار الإسلامى كله طالما ارتضى لنفسه أن يكون عدوا للجيش وعدوا للمجتمع وعدوا لنفسه بالإصرار على العنف والدخول فى مواجهة ستنتهى فى النهاية لا محالة لصالح المجتمع والدولة؟ ماذا بعد رفض الإخوان قواعد اللعبة الجديدة ورفض القبول بخارطة الطريق، بمعنى الدخول فى العملية السياسية؟ ماذا بعد رفض الاعتراف بأن الجماعة فشلت فى إدارة البلد؟ وهو السبب الحقيقى والجوهرى الذى أدى لعزل وخلع الرئيس محمد مرسى.. ماذا بعد حبس قيادات التنظيم البارزة؟ الذين من المتوقع أن يتم حبسهم لسنوات طويلة لاتهامهم فى قضايا جنائية، ما يعنى ضرورة خلق قيادات أخرى تختلف عن سابقيها فى التفكير والتوجه والإدارة والفهم. لماذا لا يقبل الإخوان القبول بقواعد اللعبة واعتبار أن وجودهم قانونا فى الحياة السياسية من خلال حزب سياسى لطالما كان أمنيتهم فى عهود ما قبل انتفاضة 25 يناير، وهو مكسب كبير يتم البناء عليه لاستعادة ثقة الشارع المصرى مرة أخرى؟ بعد كل ذلك وكثير غيره أعتقد أن مستقبل الإخوان ينحصر فى ثلاثة سيناريوهات، الأول هو: أن تقوم الجماعة بمراجعات داخلية حقيقية تعترف فيها بأنها أخطأت وتقدم اعتذارا للمجتمع ولقواعد الصف لديها، لا سيما أن أقل الإنصاف هو أن تدرك أن قيادات التنظيم لديها مسئولية ليست بالقليلة عما آلت إليه الأحداث، من فشل فى إدارة مرحلة ما بعد 25 يناير مرورا بتولى السلطة على غير استعداد إلى عزل «مرسى» وتحمل مسئولية ليست بالقليلة أيضا عن العنف الدائر فى سيناء والمحافظات. ولكى يتم هذا السيناريو، هناك عدة شروط تضمن جديته ومصداقيته، هى: أن تتم تنحية القيادات التى شاركت فى إدارة المرحلة الماضية، وثانيها: محاسبة جميع المتورطين داخل التنظيم عن الأحداث التى سبقت وتلت عزل «مرسى»، وثالثها: الدفع بقيادات جديدة يقبلها المجتمع، ورابعها: مراجعات فكرية حقيقية، وتحديدا حول مفهوم الدولة الوطنية داخل التنظيم. والسيناريو الثانى هو أن تقبل الجماعة بالعمل السياسى والدخول فى خارطة الطريق دون مراجعات ودون اعتراف بأى أخطاء خلت، على أن يكون ذلك هو الشكل المعلن، أما الخفى فهو محاولة استنزاف الدولة وتفشيلها، والاتحاد سرا مع جماعات «الإسلام السياسى الراديكالى» ودعمها فى عمليات العنف خططيا وماليا ومباركة هذه العمليات سرا. وهو السيناريو الأقرب للتطبيق فى تقديرى من جانب الجماعة بقياداتها الحالية. أما السيناريو الثالث فهو الدخول فى صدام مسلح مع الدولة على طريقة الجماعات الإسلامية فى التسعينات، وهو أمر مستبعد لعدم القدرة؛ لأن التنظيم لا قِبل له بهذا الخيار ولن يستطيع تحمل ودفع «فاتورة» هذا الخيار؛ لأن فيه النهاية.. وهذا ليس معناه أنها ترفضه، لكن الرفض لعدم القدرة فقط لا غير.. وتبقى الإجابة عن مستقبل الجماعة فى يدها دون غيرها.. هل تلعب من جديد؟