منذ سنوات كان العمل في الورشة لا يتوقف، والماكينات تحتاج إلى صيانة دورية لكثرة العمل، لكنها الآن في زوايا الورشة دون أي ضجيج، بعدما لم تعد صنعة الأحذية تؤتي أكلها، وصار عبدالحيم يغلق ورشته أياما ويفتحها دون مواعيد منضبطة، لكن عودة الدراسة من جديد قادت له الرزق حتى باب ورشته، من الطلاب الباحثين عن خياطة لأحذيتهم أو حقائبهم المدرسية. طيلة 35 عاما ظل عبدالحليم على ذو ال50 عاما، يعمل في صناعة الأحذية يعرف سر الصنعة ومقاسات القوالب الخشبية، وما يصلح من الجلد لبعض الأشكال وما لا يصلح للآخر، لكن الورشة باتت مهددة، بعدما احتل الحذاء الصيني السوق المصرية، وعزف عدد من العاملين في تلك الصنعة إلى مهن أخرى: «فبقيت أنا مش ملتزم، ساعات بفتح وساعات لأ، لإن الشغلانة بقت صعبة جدا، سواء في الخامات الغالية أو طلبات الزباين». يحكي الرجل الذي جلس خلف الماكينة وبيده حقيبة طالب في الصف ال5 الابتدائي، يريد خياطتها بعدما اكتشف أول أيام الدراسة أن بها ثقبا: «اللي خلاني منتظم بقى الفترة دي، عودة الدراسة، العيال اللي بتيجى بالشنط واللي راجعين بالجزم والكاوتشات اللي محتاجة خياطة». من 5 إلى 10 جنيهات يحصل عليها عبدالحليم، مقابل خياطة بعض الأجزاء في حقائب الطلاب، وإذا لزم الأمر تركيب سوستة، أو حتى وضع القطع البلاستيكية التي تمسك بعض الأطراف بعضها البعض: «أهو أي حاجة تمشي الحال، مفيش حد بيشتري جديد في الترم التاني، فبطلعلى بأي مصلحة على آخر اليوم» إلى جواره ظل محمد سيد، يوجه عبدالحليم إلى العيوب في حقيبته، بينما يقبض بيده على سوستة بلاستيكية، قرر عبدالحليم الاستغناء عنها واستبدالها بأخرى معدنية: «مهو مستحيل اشترى شنطة جديدة، فبنشوف مشاكل اللي معايا ولو عرفت أكمل بيها السنة اللي جاية كمان يبقى زي الفل، معرفتش هخلي أبويا يشتريلي». يحكي محمد الذي دفع 12 جنيها قبل خروجه من الورشة «دلوقتي تكلفة الشبشب ممكن تقف عليا ب75 جنيه، والصيني ب30 وب40 فبخسر، لكن الإصلاح والخياطة وكاوتشات المدارس دي بنعملها، عشان الناس بتسترخص تشتري جديد، وده مصلحة ليهم ومنفعة ليا».