إن من فضل الله العظيم أن المسلم المعتاد لجماعة المسجد إذا خرج متطهرا قاصدا إدراك الجماعة، فوصل إلى المسجد بعد أن فرغ المصلون من الجماعة الأولى، كان له مثل أجر الجماعة التى قصدها، فقد أخرج أبوداود بسند صحيح عنْ سعيد بن الْمُسَيِّبِ قَالَ: حضر رَجُلاً مِنَ الأَنْصَار الْمَوْتُ فَقَالَ: إنّى مُحَدِّثُكُمْ حَديثاً مَا أُحَدِّثُكُمُوهُ إلاّ احْتِسَاباً، سَمِعْتُ رَسُول الله (صلى الله عليه وسلم) يَقولُ: «إِذَا تَوَضّأ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمّ خَرَجَ إلَى الصّلاَة لَمْ يَرْفَعْ قَدَمَهُ الْيُمْنَى إلاَّ كَتَبَ الله عز وجل لَهُ حَسَنَةً، وَلَمْ يَضَعْ قَدَمَهُ الْيُسْرَى إِلا حَطّ الله عَزّ وَجَلّ عَنْهُ سَيّئَةً، فَلْيُقَرّبْ أَحَدُكُمْ أَوْ لِيُبَعّدْ، فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلّى فِى جَمَاعَة غُفِرَ لَهُ، فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلّوْا بَعْضاً وَبَقِىَ بَعْضٌ صَلّى مَا أَدْرَكَ وَأَتَمّ مَا بَقِىَ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنْ أَتَى الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلّوْا فَأَتَمّ الصَّلاَةَ كَانَ كَذَلِكَ». وأخرج أبوداود أيضا بسند صحيح عَنْ أبى هُرَيْرَةَ (رضى الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): «مَنْ تَوَضّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمّ رَاحَ فَوَجَدَ النّاسَ قَدْ صَلّوْا أَعْطَاهُ اللهُ جَلّ وعلا مِثْلَ أَجْرِ مَنْ صَلاّهَا وَحَضَرَهَا لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَجْرِهِمْ شَيْئاً». إن الذى رزقه الله حب المساجد والتعلق بها وبأهلها لا يتصور نفسه متمتعا بشىء كتمتعه بالتردد عليها، وربما لا يتصور صلاة الفريضة إلا فيها، ويغالب أعذاره فى سبيل ذلك، وربما يؤتى به محمولا من الرجال إلى المسجد؛ لما لذلك فى نفسه من حب للمساجد وتعلق بها. صاحب القلب المعلق بالمساجد فى ظل عرش الله: هذه صورة رائعة يرسمها النبى (صلى الله عليه وسلم) لأولئك المترددين على المساجد الحريصين على أداء الصلوات فيها فى جماعة، الذين لا يفارقون المسجد إلا على أمل العودة إليه، ولا يغيبون عنه إلا على شوق العودة له، فيقول صلى الله عليه وسلم فى الحديث الذى أخرجه الشيخان عَنْ أبى هُرَيْرَةَ (رضى الله عنه): «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ الله فِى ظلّه يَوْمَ لاَ ظلّ إِلاَّ ظلّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِى عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلّقٌ بالْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابّا فى الله اجْتَمَعَا عَلَيْه وَتَفَرّقَا عَلَيْهِ، ورجل طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَال فَقَالَ إِنّى أَخَافُ اللهَ. وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أفَخْفَى حَتّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ».