بروفايل| «بوحيرد» «جميلة» النضال

فى زمن لم يكن فيه النضال سهلاً، وُلدت هى لتكون مناضلة. جسّدت قسمات وجهها وتغضناته رمزاً للصمود. هى الماضى الحاضر الشاهد على توغّل دول الاحتلال، فى زمن عُلقت فيه رقاب العرب على المشانق، باسم العدالة غير العادلة. هى جزائرية المولد، عربية الجنسية، لأب جزائرى ولأم تونسية. مثّل نضالها، فى مواجهة محتل مغتصب، جمالاً أسطورياً خالداً ضارباً بجذوره فى الأعماق عاصفاً كالسيل.. هى الجميلة جميلة بوحيرد.
حين كانت فى العشرين من عمرها، اندلعت الثورة الجزائرية عام 1954، بينما كانت هى تتعلم فنون الخياطة فى معهد التفصيل، فانتقلت من فن التطريز لفن المواجهة، وجسّدت صورة حيّة لنضال المرأة العربية، حين انضمت لجبهة التحرير الوطنى الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسى، لتفوق فى ثوريتها ثورية المبادئ السريالية الفرنسية، التى طرحها الفرنسى أندريه بريتون، أواخر القرن ال19 وأوائل القرن ال20.
جميلة بوحيرد، التى تزور مصر حالياً، للاحتفال بها كضيف شرف فى مهرجان أسوان الدولى لأفلام المرأة، بعد ما يقرب من 56 عاماً من الغياب، لم يغِب اسمها يوماً عن الأذهان فتجده حاضراً فى مدخل بعض الشوارع التى سميت باسمها أو على لافتة مدرسة تحمل اسم المناضلة الأشهر فى تاريخ الجزائر.. تقول فى مصر: إن شعبها غالٍ وعظيم. وبينما يستقبلها المصريون فى المطار احتفالاً وترحيباً، تجهش بالبكاء استرجاعاً لذكرياتها المحفورة فى كتب التاريخ العربى.
مثالية نضالها دفعت الاحتلال الفرنسى، ليضعها فى صدارة قائمة المطلوبين، وحين استهدفت بِطلْقة فى كتفها وسقطت على الأرض، عام 1957، عرّت ازدواجية المبادئ الفرنسية، بمقولتها الشهيرة: «أعرف أنكم سوف تحكمون علىّ بالإعدام، لكن لا تنسوا أنكم بقتلى تغتالون تقاليد الحرية فى بلدكم، ولكنكم لن تمنعوا الجزائر من أن تصبح حرة مستقلة». تعرضت بجسدها لأشد أنواع التعذيب، لانتزاع الاعترافات منها، ولمّا فشل المحتل فى استنطاقها، حكُموا عليها صورياً بالإعدام، وفى صباح يوم 7 مارس عام 1958، يوم تنفيذ الحكم عليها، انتفض العالم كله، رافعاً شعار الحرية لجميلة بوحيرد، فعدّل الحكم، ليصبح للسجن مدى الحياة، وبعد تحرير الجزائر عام 1962، خرجت «جميلة» من جديد لشوارع الجزائر المحررة.