أعلنت المجموعة البريطانية العملاقة للبناء والخدمات "كاريليون" إفلاسها، الاثنين، بعد فشل مفاوضات مع المصارف والحكومة لإنقاذ الشركة التي تعاني من مديونية كبيرة. وأوضحت المجموعة، في بيان، أنه لم يعد لديها خيار آخر سوى "تصفيتها بمفعول فوري"، متخلية بذلك عن نحو 43 ألف موظف بينها 19 ألفا و500 في المملكة المتحدة. وأوضحت أن الحكومة يفترض أن تقدم الأموال اللازمة للإبقاء على الخدمات العامة التي تقدمها "كاريليون" وتشكل جزءا مهما من نشاطها، عبر خدمات تقدمها خصوصا إلى المدارس والجيش البريطاني. ببساطة أي شركة تغلق أبوابها وتنهي أنشطتها وتسرح موظفيها ليفقدوا مصدر رزقهم الرئيس، أوشخص يعلن أنه لم يعد قادرا على الوفاء بالتزاماته المالية وديونه تصبح النتيجة واحدة في الحالتين هى إشهار إفلاس. من الصادم معرفته أن عدد طلبات الإفلاس في الولاياتالمتحدة سنويا منذ 2014 حتى 2017، يتراوح حول رقم المليون طلب بزيادات طفيفة أو نقص ضئيل، حيث أن الاقتصاد الأمريكي يعد الأكثر ديناميكية في العالم. وأغلب تلك الطلبات تكون فردية، "بمعنى أنها لأشخاص طبيعيين وليست لشركات" بالطبع بنسبة تفوق الثلثين في أغلب الأعوام. وفي الولاياتالمتحدة هناك أكثر من شكل لإعلان الإفلاس، الأول هو أن يحصل الدائنون على ما لدى المفلس من أصول ليقوموا ببيعها والحصول على أموالهم أو نسبة منها، بمنطق قسمة الغرماء، وفي هذه الحالة يتم ترك عقار "معفي" من الإفلاس غالبًا ما يكون البيت الذي يقيم فيه الشخص ما لم يكن محل لرهن عقاري. أما الشكل الثاني فيتضمن إعادة جدولة للديون بمعنى أن يكون إشهار الإفلاس مؤقتًا لمدة عام أو اثنين يتوقف فيهما المفلس عن دفع أي دين قبل أن يعود للدفع بعد نهاية فترة السماح وفقًأ لجدولة زمنية للديون يتفق عليها مع الدائنين. وهناك أنواع أخرى من الإفلاس تتضمن مزيجًا من النوعين السابقين بأن يفي ببعض الديون ويتم تأجيل الأخرى، أو حتى لا يفي بأية ديون إذا لم يكن بوسعه ذلك، وإن كان النوع الأخير يعرضه لعقبات قانونية كبيرة في تعاملاته المالية المستقبلية. وعلى الرغم من أن النوع الذي يتضمن بيع أصول المفلس يبدو أكثر قسوة إلا أن شركات المحاماة الأمريكية غالبًا ما تنصح به، ولذلك هو في صدارة أنواع الإفلاس في واشنطن بما يربو على 600 ألف حالة سنويًا. ويرجع ذلك إلى أن شركات المحاماة تتعامل مع الأمر بوصفه فرصة جديدة للمفلس يسعه أن يبدأ حياته مجددًا بعد التخلص التام من آثار الديون عليه، وإن كان بكونه مفلسًا ظهر في سجلاته المالية ل10 أعوام، غير أنه لا يلزمه بسداد التزامات على مدى طويل قد يعجز عنها بما يعيده مجددًا لنقطة الصفر.
** عودة الاتزان للاقتصاد على الرغم من أن كلمة "الإفلاس" في حد ذاتها تحمل مردودا سلبيا وتؤشر لمعاناة شركة أو شخص من نقص الموارد، وهذا منطقي ومقبول، إلا أنه في بعض من الأحيان ما يكون وجود حالات إفلاس في الاقتصاد مؤشرًا إيجابيا له. فالإفلاس يعمل كمؤشر وآلية واضحين لضبط سوق الإقراض والاقتراض ووضع معدلات فائدة، فعند زيادة حالات الإفلاس عادة ما تتشدد البنوك في منح القروض سواء للشركات أو الأشخاص كما ترفع من أسعار الفائدة لتغطية مخاطر الإقراض المرتفعة. والعكس إذا كانت حالات الافلاس قليلة فإن البنوك تتوسع في منح القروض وتقلل من معدلات الفائدة لتيسير حصول المستفيدين عليها، بما يجعل سوق الإقراض يميل للاتزان. ويعتبر الكثير من المنظرين الاقتصاديين أن إفلاس الشركات هو بمثابة أداة لإزالة "غير الجديرة" منها من السوق، بمعنى أن الشركات غير القادرة على التطور والتكيف مع تغييرات السوق والتكنولوجيا وغيرها تفلس، بما يفتح الباب للمزيد من التطور وظهور منافسين آخرين أكثر كفاءة.
** الإفلاس في الكساد والرواج تزايد حالات الإفلاس هو أحد مظاهر فترات الكساد، ببساطة لأن الناس في تلك الفترات يمتنعون عن الشراء، إما لقلة الموارد أو خوفا من المستقبل، بما يقلل من مداخيل الشركات وقد يصل بها إلى حد إشهار الإفلاس. ولاشك أن الإفلاس في تلك الحالة يكون سلبيا من كافة الأوجه، فالعمالة المسرحة نتيجة للإفلاس سيكون من الصعب عليها أن تجد عملا بديلًا، كما أن السوق يكون منكمشًا بالفعل بما يجعل ظهور شركات جديدة في نفس المجال أمر غير مرجح. أما في حالة الرواج، فإن العكس ينطبق، فالعمالة ستجد فرصًا أخرى بانتظارها عاجلا غير آجل، كما أن شركات بديلة ستظهر في نفس المجال لسد الفراغ الذي خلفه إفلاس الشركات الأخرى أو أن الشركات القائمة ستعمل على توسيع مجال أعمالها وفقًا لآليات السوق البسيطة. وفي الولاياتالمتحدة رأت الكثير من التقارير الاقتصادية، وبينها تقرير للهيئة القومية الأمريكية للإفلاس، أن إفلاس الكثير من متاجر التجزئة خلال العامين الماضيين كان بسبب ضراوة المنافسة بينها وأن هذا ليس مؤشرًا سلبيًا للاقتصاد وإن كان سيئًا بطبيعة الحال لتلك الشركات. وعلى سبيل المثال أيضا كتبت صحيفة جارديان البريطانية أنه في عام 2010 شهد الاقتصاد البريطاني حالات إفلاس قياسية في تاريخه، غير أن الأمر لم يكن مقلقًا بسبب عدم اقترانه بالكساد، بما جعل الأمر آلية لتجديد الاقتصاد. أما في 2017 فإن الاقتصاد الإنجليزي شهد حالات إفلاس أقل بكثير، ولكن الخطر أكبر لأن السوق لم يكن متجددًا كما هو الحال في 2010، ليبدو أن الإفلاس–في بعض الأحيان- قد يبدو حدث ظاهره العذاب وباطنه الرحمة، وإن بقي تعبيرًا كريهًا في أغلب الأحيان.