ألسنة كثيرة هذه الأيام بدأت تطول وتتطاول بالحديث عن أن ثورة يناير 2011 لم تكن أكثر من مؤامرة حاكها الغرب لتدمير مصر، ولولا الملامة لغرّد هؤلاء بالكلام عن الجنة «المباركية» التى مكثنا نحيا فى ظلالها ونشرب من أنهار لبنها وعسلها طيلة ثلاثين عاماً، حتى نزغ الشيطان فى قلوبنا فأزلّنا عن طاعة «مبارك»، فحق علينا عقاب الطرد من جنته لنتوه فى الأرض ثلاثين شهراً حتى خرج «مبارك» من السجن. وها هو الآن يلقننا كلمات التوبة حتى يعفو عنا! لست أدرى من أى بئر ينضح تفكير هؤلاء. إن كلامهم عن أن ثورة 25 يناير كانت مجرد مؤامرة، يعكس أمراً من اثنين: الجهل أو بلادة الإحساس. فأما الجهل فيرتبط بالتعامى عن حالة الفساد والإفساد التى سادت عصر مبارك، فغمرت حياتنا الاقتصادية، فجعلت الاقتصاد سرقة ونصباً، وحياتنا السياسية، فجعلت السياسة تزويراً وتدليساً وتوريثاً، وحياتنا الاجتماعية فتفشت فيها أرذل القيم، وحياتنا التعليمية فسادها الغش، وحياتنا الدينية فسادها الدجل، وأما بلادة الإحساس فترتبط بتلك القلوب التى نسيت من ماتوا غرقاً فى عبارة «ممدوح إسماعيل»، وحرقاً فى قطار أبورواش، وردماً تحت صخور المقطم، وتسميماً بالأغذية المسرطنة، وحسرة بالجوع والعوز. تلك هى الجنة التى وقف العالم كله على رجل كى يخطط لإخراج المصريين الطيبين منها! أستطيع يا أصحاب «جنة مبارك» أن أشارككم العمى عن كل الجرائم السابقة التى توّجها نظام «المخلوع» بقتل الشباب فى ثورة يناير، أستطيع أن أمارس نوعاً من الطناش الرسمى على عملية التجريف الممنهج لكل مؤسسات الدولة فى عصره بالصورة التى نكتوى بها جميعاً اليوم، ولكن هل لعاقل أن ينسى ل«مبارك» أنه السبب فى وصول الإخوان إلى الحكم بعد يناير 2011. الإخوان يا «حبايب مبارك» ليسوا أكثر من صنيعة من صنائع نظام «المخلوع» الذى اجتهد فى محاصرة وتحجيم القوى السياسية المعارضة، ووفّر مساحة واسعة للجماعة لتتمدد وتتوسع وتتوحش. وكان هدفه من ذلك استخدامها «فزاعة» لكل من الغرب والشعب، وقد كان المخلوع دائب الحديث عن أن خروجه من الحكم يعنى منح الفرصة للإخوان ليحكموا المصريين. وطبعاً المسألة كانت طبيعية، وهل «خلّف» مبارك غيرهم؟! إن البعض يختلف معى فى تشخيص المشهد الحالى الذى تعيشه مصر، حين أرى أن هناك محاولة دؤوباً من أجل إعادة إنتاج نظام مبارك، ولو أن هؤلاء التفتوا إلى مثل هذا الكلام «الحامض» الذى تلوكه الأفواه «البايتة» فى أحضان «دولة المخلوع» لأدركوا مغزى ما أقول، لكننى أعيد وأكرر ما سبق وقلته من أن «فلول» مبارك -شأنها شأن «فلول» الجماعة- ترقص رقصة النهاية. وإذا كان هؤلاء يخافون علينا من مخططات الغرب فليطمئنوا بالاً لأن هذا الشعب «ما يغلبه غلاب». ف«مطاريد جنة مبارك» أيها «الثرثارون» قادرون على صناعة الأعاجيب.. وسوف تعلمون!