(1) ذبح 25 جندياً فقيراً على أرض سيناء، ثم انغرست جباههم فى الرمال، لتنتهى فترة حلم خاطفة، ربما سعدوا خلالها بأمنية النجاة من اختبار فيروس (سى)، وتطلعوا إلى السفر للخارج أو عثروا فيها على عمل يؤمن قطعة من الجبن ورغيفين لتسير الحياة. كان رد فعل جماعة الإخوان على المذبحة تصريح قاله «البلتاجى»، يحمل الجيش المسئولية، فيقول إن من سماهم الانقلابيين ربما تورطوا فى الحادث للتغطية على مقتل 36 موقوفاً إخوانياً فى عربة ترحيلات. قبل الحادثتين بأسابيع كتب عبدالمنعم الشحات مقالاً على موقع «صوت السلف» ينتقد الإخوان، ويقول إن الإخوان سبق أن أيدوا انقلاب الجيش الجزائرى على جبهة الإنقاذ الجزائرية بعد فوزها بالانتخابات، ورضى ممثلهم محفوظ نحناح بالتعاون مع الجيش والاعتراف بإلغاء الانتخابات مقابل أخرى جديدة، ثم استدرك قائلاً: «الجيش المصرى ليس هو جيش الجزائر الذى أمرته فرنسا بالانقلاب، وتورط فى أعمال عنف ألصقها بالشباب المسلم». تصريحات «البلتاجى» و«الشحات» رغم تعارضهما على السطح فإنهما يحملان التقاء فى قاعدة مشتركة، تقول: «إن الإسلامجية لا يمارسون العنف، وإذا مارسوه ففى إطار رد الفعل، وهم ضحايا له لا مرتكبون إياه». ارجع مثلاً إلى تبرير الإخوان قديما للهجوم على حارة اليهود، وتفجيرها بعد حرب 1948، أو إلى محاولة اغتيال «عبدالناصر» فى المنشية، أو إلى قتل «النقراشى» وأحمد الخازندار، أو إلى محاولة تفجير محكمة استئناف القاهرة، وهو الحادث الذى عرف ب«واقعة السيارة الجيب» - ستجد الإجابات موحدة تحت عناوين مكررة، تقول: «السلطة فعلت ذلك لتقتلنا وتعتقلنا»، «هذا قاض كان يبرئ اليهود والإنجليز المحتلين ويحكم بالإعدام على المجاهدين». وفى حالات الوفاق مع السلطة تقول «الإخوان»: «لا لا، ليس نحن، بل آخرون يريدون التآمر على مشروعنا الربانى». إنكار العنف متكرر، ويمارسه الإسلامجية بإلحاح، لكن محاولات الإنكار تقف عاجزة أمام الأدبيات التى تبرر العنف وترسخ له. فإذا كان الجيش متورطاً فى القتل بحسب التصريح المخرف ل«البلتاجى»، فهل تنبذ جماعات التوحيد والجهاد، وأنصار بيت المقدس، والتكفير والهجرة، والسلفية الجهادية، وكل الطبعات المصغرة للقاعدة، استحلال المجتمع وتكفير الجيش والشرطة. وإذا كان «الشحات» يحصر استخدام العنف على الجيش الجزائرى فى فترة يعرفها الجزائريون ب«العشرية السوداء»، فما قوله فى اعترافات «عنتر زوابرى» قائد الجماعة الإسلامية المسلحة فى الجزائر، المقتول عام 2002؛ «من لا ينتمى إلى الجماعةالإسلامية فهو مرتد»، وبناء عليه هاجمت الجماعة القرى المعزولة وقتلت الآلاف من الفلاحين العزل، ولم تفرق بين طفل وامرأة وكهل، ووصلت الوحشية إلى حد إلقاء الأطفال فى الزيت المغلى، بل اعترفت الجماعة المسلحة هناك بمجازر عديدة، مثل مذبحتى «رايس» و«بن طلحة»، وضحاياهما مجتمعتين نحو 600 قتيل. (2) درس الجزائر صحيح أن الجيش الجزائرى ألغى الانتخابات فاندلع العنف، لكن الانتخابات التى أجراها الشاذلى بن جديد جاءت على خلفية إضرابات واضطرابات اعترض فيها الإسلامجية على منح حقوق للأمازيغ، ودعمها فشلاً اقتصادياً لجبهة التحرير، لكن أبرز الأسباب كان ما اعتبروه «تهديداً للهوية الإسلامية والعربية»، (راجع موقف حزب النور فى مصر الآن)، وهو ما يعنى عدم الاعتراف السابق بحقوق الأقليات، أى اختزال الديمقراطية فى الصندوق فقط، بل قال على بلحاج، القيادى المتشدد فى جبهة الإنقاذ، إن «القرآن هو دستورنا، وسنحكم بموجبه دون أى تشريعات وضعية»، أى نية الجبهة إلغاء حتى مظاهر تداول السلطة ومنها الصندوق، وذلك وفق تصور وهمى للدولة والسلطة حافل به النموذج الإسلامجى. وإزاء ذلك كله مارس عسكر الجزائر خطايا موازية، سواء بالاستغراق فى القتل والانتقام، قدم بعض تفاصيله كتاب المظلى السابق حبيب سويدية «الحرب القذرة»، فنقل «سويدية» مثلاً عن الجنرال محمد العمارى، رئيس وحدة مكافحة التخريب قوله: «الإسلاميون يريدون الذهاب إلى الجنة، فلنأخذهم إليها، وبسرعة. لا أريد أسرَى، أريد قتلى»! ما صنع مظلومية للإسلامجية فى مناطق كثيرة. ومن بين الخطايا الأخرى عدم حفظ اللعبة الديمقراطية بدستور صارم يحدد الحريات والحقوق بشكل سابق قبيل الانتخابات، ما ساعد على تقديم الإسلامجية نفسهم كضحايا للاستبداد ورافضى الصندوق، (وهو ما تكرر فى مصر)، وتشكيل ميليشيات شعبية مضادة لعنف الإسلاميين ساهمت بدورها فى القتل الموازى. فى المقابل، تجمع الإسلامجية فى أربع جماعات مسلحة، على رأسها الجيش الإسلامى للإنقاذ، التابع للجبهة، وتورط بدوره فى عمليات قتل واختطاف، لكن الاعتماد الأكبر للجبهة كان على التكفيريين، وفق عملية إدارة محكمة للعنف، (مثلما تعتمد الإخوان الآن على الجماعات الجهادية)، بل حتى العمليات الكبرى التى أصابت جسد الدولة، ومنها الهجوم على مطار الجزائر، سرعان ما تبرأت منها الجبهة، مثلما تتبرأ الإخوان من الهجوم الحالى على مؤسسات الدولة المصرية، رغم كون الهجمات أوراق ضغط فى يد الجماعة. فى مصر، النسخة الجزائرية تلوح فى الأفق، بتفاصيل شديدة التماثل، لكن يمنع تكرارها الابتعاد عن الأخطاء السابقة، بتدشين دستور يواكب الدولة الحديثة وعدم التسامح مع أى انتهاك للمواطنة، أو تبنى الطائفية الدينية والمذهبية، مع البعد عن الجريمة الكبرى وهى إزاحة الإسلامجية ليأتى جنرال. وأظن أن الجيش المصرى يستوعب ذلك.