«الدنيا زى المرجيحة يوم تحت وفوق وانا ماشى باتمرجح فيها من تحت لفوق».. كلمات أغنية شعبية لا تسمعه يغنيها، بل تراه يحاكيها وهو يقفز بتلك العصا الممتلئة بأكياس غزل البنات، فقد استقبلته القاهرة العامرة مثله مثل آلاف غيره ممن نزحوا من الصعيد ليبحثوا عن بقايا لقمة عيش فى المحروسة. حسين محمد عاشور (15 عاما)، جسده النحيل هو الدلالة الوحيدة على صغر سنه، فيده التى تشكو شقوقها قسوة الأيام وصوته القوى يحملانك على أن تصدقه وهو يقول «الراجل مش بسنه أنا اتولدت كبير». طفلا خرج من بلدته الفقيرة آملا أن يجد فى كنز القاهرة متسعا له، منذ أربع سنوات جاء ولم يعد: «ما رجعتش ومش هارجع.. صحيح هنا فقر بس هناك ضنك». لم يكن يعرف ماذا سيفعل ولا ماذا تخبئ له الأيام ولكنه جاء، وقتها كان عمره 11 عاما حين تحمل مسئولية نفسه: «أنا ماهربتش من أهلى زى عيال كتير، أنا هربت من الفقر». يعامله البعض وكأنه جزء من تراب الأرض سيلوث حذاءه إذا لامس قدمه، ولكنه لا يلقى لهم بالا فقد اختار أن يذهب وكان عليه أن يتحمل ما ذهب إليه. ميدان التحرير كان قبلته بعد الثورة ففيه يستطيع أن يتنفس فهناك لا يشعر باغترابه فكلهم غرباء: «هنا كلنا زى بعض حتى الناس المتعلمين بتوع الثورة بيعاملونا زى اخواتهم». جلساته فى الميدان ليست فقط من أجل أن يبيع ما معه من غزل البنات ولكن هناك عرف لأول مرة أنه يمكن أن يأتى يوم وينتخب رئيسا: «صحيح أنا ماليش انتخاب المرة دى بس لازم أفهم عشان المرة الجاية أختار صح». قبل أن يكسب مرسى فى جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية نذر حسين نذرا أوفى به بعد ذلك: «ندر عليا لو مرسى كسب هوزع كل عمود الغزل ببلاش»، مضحيا ب200 جنيه قيمة ما وزعه يومها فى ميدان التحرير، ففوز مرسى نصير الغلابة هو أمله الوحيد لتحقيق ما يحلم به. «أخويا عنده أربع سنين وجه قعد معايا ومش عايز يروّح» لم يعد حسين مسئولا عن نفسه فقط بل أصبح طفلا مسئولا عن طفل كل ما يتمناه أن يستطيع أن يدخله للمدرسة «نفسى يتعلم عشان ماحدش يضحك علينا لما نمضى عقد الشقة والمحل التمليك».