لم يكن يعلم السير وليام ويلكوكس المهندس الهندي الذي جاء إلى مصر إبان الغزو البريطاني عام 1883، أنه سينقش اسمه على أحد أعظم الإنجازات في التاريخ الحديث، بعد أن طلب منه مدير عام الخزانات حتمية وجود طريقة لتخزين مياه النيل لتسمح بزراعة محصول إضافي من القطن، فعرض على الجانب المصري بأن يتم تخزين المياه بوادي الريان إلا أن العرض لم يؤتِ ثماره، فأعلن عام 1896 عن دراسة لإنشاء سد أسوان. الدراسة لم تستمر كثيرًا وبالفعل بدأ "ويلكوكس" في إنشاء السد منذ عام 1898 حتى اكتمل بناءه في 1902 وبعدها بدأ السد في تخزين مياه الفيضان، ليسمح للمياه المحملة بالطمي في الأسابيع الأولى من الفيضان السنوي من المرور عبره، وحجز فقط المياه الصافية التي تأتي لاحقًا في موسم الفيضان. لم يكن سد أسوان البناء الوحيد الذي شيده المهندس الهندي، بل صمم أيضًا سد آخر غاية في الاتفاق، ومازال يعمل به حتى الآن وهو قناطر أسيوط، والذي بدأ في تصميمه في نفس العام الذي انتهي فيه من إنشاء سد أسوان، لتحويل مياه النهر إلى المياه المنخفضة في أكبر قناة للري في مصر وهي ترعة الإبراهيمية. الإنجازات التي قدمها "ويلكوكس" لم تقتصر أيضًا على السدود والخزانات بل قام بعدة مشاريع ثقافية أخرى منها كتاب الري المصري، وكتاب سد خزان النيل في أسوان، وكتاب خزان أسوان وبحيرة قارون، وكتاب من جنات عدن إلى عبور نهر الأردن، وكتاب بلاد الرافدين الماضي والحاضر والمستقبل، وكتاب استرجاع أعمال الري القديمة على نهر دجلة، وكتب مذكراته جميعها تحت اسم "ستون سنة في الشرق" والتي نُشرت بعد وفاته في 1935. في أوائل القرن العشرين تولى المعماري الهندي رئاسة شركة خدمات مياه القاهرة وكذلك رئاسة الشركة الإنجليزية المصرية لمخصصات الأراضي، ومن ثم كان له دور أساسي في الإشراف على تخطيط وتعمير حي الزمالك، ولذلك أصدر قرار حينها بإطلاق اسمه على أحد شوارع الحي، ولكن فيما بعد تم تغيير اسم الشارع ليحمل اسم عميد الأدب العربي طه حسين. النجاح الكبير الذي حققه "ويلكوكس" دفع العديد من الدول لدعوته لزيارتها للاستفادة من خبراته في مشروعات الري، فسافر إلى العراق وأنشأ قناطر الهندية على نهر الفرات، ما مكن بغداد من ري حوالي 3,500,000 فدان، الأمر الذي جعل الحكومة البريطانية تفخر به وتطلق عليه لقب فارس المهندسين. وفي يوليو 1932 أعلنت المستشفى الأنجلو الأمريكي بحي الزمالك وفاة السير وليام ويلكوكس، صاحب فكرة بناء سد أسوان وقناطر أسيوط ودفن في مقابر المحاربين البريطانيين بالقاهرة.
