رحم الله الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، أكثر الرؤساء السابقين حرصاً على صيانة كرامة المصريين، استوعب تاريخ بلاده وحضارتها العريقة، وأفسح لها مكانة متميزة بين أمم الشرق والغرب، وهو القائل «ارفع رأسك يا أخى فقد مضى عهد الاستبداد»، آمن بشعبه وقوميته العربية، واستعاد كرامة المصريين بكل شمم وإباء. أقول ذلك بسبب ما شهدته الفترة الماضية من سعى حثيث لاختراق الإرادة المصرية، وخاصة من جانب الإدارة الأمريكية البلهاء وتوابعها من بعض بلدان أوروبا الغربية. هل كتب الله على مصر أن تكون حائط الصد الأخير فى مواجهة المشروعات الاستعمارية والرجعية على مدى التاريخ، وآخرها مشروع الشرق الأوسط الكبير الذى هدف إلى تقسيم المنطقة إلى دويلات عرقية ودينية تتيح التفوق الدائم للكيان الصهيونى. لقد قام الشعب المصرى بثورة رائعة فى 30 يونيو للتخلص من الحكم الثيوقراطى الفاشى، وأكد على مطالبه المستحقة يوم 3 يوليو ثم يوم 26 يوليو، وكان ذلك لاستعادة ثورة يناير المباركة من الطغمة الفاشية التى استلبتها وحالت دون تحقيق مطالب الحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، واستجابت القوات المسلحة -كما عهدناها دائماً- لإرادة الشعب، وباتت الدولة بكل عناصرها فى مواجهة جماعة فاشية بزعامة عدد من المارقين الضالين المضللين الذين استهانوا بالوطن لمصلحة تنظيم الإرهاب الدولى وبناء دولة الخلافة المزعومة مع تواطؤ خسيس من الإدارة الأمريكية الفاشلة. لقد عبَّرت الإرادة الشعبية عن أهدافها بوضوح كامل فى إسقاط الرئيس الفاشل وجماعته الإرهابية وانحازت لها القوات المسلحة الوطنية لتنفيذ هذه الإرادة. وفى سابقة غير معهودة فى أى مكان بالعالم شهدت الساحة المصرية زيارات متتابعة لعدد من الأجانب للتدخل فى الشأن المصرى وإجراء مفاوضات عبثية واقتراحات خبيثة تستهدف الخروج الآمن للرئيس المعزول وقيادات جماعته الإرهابية، وفى بيان مشترك للسيدة كاترين أشتون ممثلة الاتحاد الأوربى وجون كيرى وزير الخارجية الأمريكى طالبا فيه بالعمل بشكل مكثف لحث الحكومة وأحزاب المعارضة فى مصر بزعم بدء عملية مصالحة مع النظام الفاسد، والاستعداد -فى أسرع وقت ممكن- لانتخابات برلمانية ورئاسية، وأنهما يشعران بقلق بالغ إزاء مستقبل مصر الذى هو على المحك فى الوقت الراهن، كما طالبا بالإفراج فوراً عما سموه المعتقلين السياسيين. إن الشعب المصرى لا يقبل الإهانة والتدخل فى شئونه الخاصة من أية جهة أو دولة، ويرفض إصدار الأوامر والتعليمات ممن لا يدركون قيمته وعراقته، خاصة من الإدارة الأمريكية وبعض أعضاء الكونجرس الموتورين. كذلك لا توجد أزمة فى مصر قابلة للتدويل باستخدام الوساطة الأمريكية والأوروبية، بل يوجد فى مصر ثورة شعبية كاسحة شارك فيها الملايين، ثورة سلمية بامتياز ماضية فى تحقيق أهدافها شاء من شاء وأبى من أبى. لقد تخاذلت الحكومة المصرية وإدارة الحكم الانتقالى فى التعاطى مع الأحداث ونقل صورة واقعية لبؤر الإجرام فى ميادين رابعة والنهضة والموافقة على السماح للتدخل الأجنبى فى الشأن المصرى وانتهاك السيادة الوطنية وعقد الصفقات مع المجرمين، ولكن هيهات، فالسيادة دائماً للشعب المصرى وحده.