لا نستبق التحقيقات التى ينبغى أن تتم بكل شفافية لكشف كل الحقائق حول أحداث الحرس الجمهورى. ولا يمكن أن نفرق بين دم ودم، فكل الدم المصرى حرام، وكل من يتسبب فى إراقة نقطة واحدة منه لا بد وأن يحاسَب بكل شدة. لا نستبق التحقيقات، ولكننا نقف أمام حقيقة أساسية، وهى المحاولة المجنونة منذ بداية الأحداث لاستدعاء المشهد السورى. العريان بدأ مبكرا بتهديد جيش مصر بمصير جيش البعث السورى! وباقى قيادات جماعة الشر أخذت تنذر بالحرب الأهلية. والتنسيق مع الإدارة الأمريكية يعتمد على افتعال صدام واسع مع الجيش، لكى يتم استغلاله فى الحملة الأمريكية التى تحاول تصوير ثورة شعب مصر فى 30 يونيو على أنها انقلاب عسكرى. لم يخجل قادة جماعة الشر من طلب التدخل الأجنبى لاستعادة حكم أسقطه الشعب. ولم يتوقفوا لحظة عن استخدام كل وسائل التحريض على العنف أو ترويع المواطنين وقتل الأبرياء. أطلقوا أنصارهم لينشروا الإرهاب فى سيناء. أعلنوا الحرب ضد الجيش والشرطة والشعب الذى قاسى الويلات من حكمهم الفاسد والفاشى. نقلوا جرائمهم لكل أنحاء مصر. وكان يوم الجمعة الماضى يومَ عارٍ بالنسبة إليهم. أطلقوا النار على المتظاهرين السلميين وذبحوا الأبرياء فى غارة دموية على حى المنيل. شاهدهم العالم وهم يُلقون شبابا من أعلى البنايات فى الإسكندرية. حاولوا وفشلوا فى اقتحام ميدان التحرير بعد أن سقط بعض الضحايا من شباب الثورة. ظنوا أنهم قد بثوا الرعب فى قلوب الناس، فإذا بالملايين ترد عليهم فى مظاهرات الأحد العظيمة التى اجتاحت كل المحافظات، والتى كانت كفيلة بأن لهم بعض العقل إذا كان قد تبقى لهم شىء منه. لكنهم كانوا قد ودعوا العقل وتملكتْهم شهوة الدم الذى لطخ أيديهم طوال تاريخهم. وربما زاد من جنونهم أن العالم قد بدأ يعرف الحقيقة، رغم جهود الإدارة الأمريكية والإعلام الصهيونى هناك. أدرك العالم أنه أمام ثورة حقيقية وليست انقلابا كما يزعمون، وأدرك العالم أن شعب مصر وجيشها وجهاز الشرطة فيها يقفون فى مواجهة عصابات الإرهاب بقيادة «الإخوان» وبدعم الرئيس الأمريكى أوباما الذى وجد نفسه مطالبًا للمحاكمة أمام الكونجرس وأمام شعبه لدعمه هذه العصابات الإرهابية! قبل يومين كان ضباط الحرس الجمهورى يقفون بين المعتصمين الذين حشدهم «الإخوان» أمام بوابات الحرس يوزعون عليهم ويتبادلون معهم الأحاديث ويطلبون منهم فقط أن لا يقتربوا من الأبواب.. فما الذى حدث ليبادر هؤلاء المخدوعون فى اليوم التالى لبناء المتاريس، ولمحاولة اقتحام المبانى الحكومية لوزارة التخطيط وجهاز المحاسبات المقابلة للحرس الجمهورى، ثم للتمترس فى جامع المصطفى الذى يطل على الحرس؟! ولماذا ترافق ذلك مع بيان زعيم القاعدة أيمن الظواهرى، الذى أعلن الحرب على الجيش والشرطة والدولة فى مصر؟ ولماذا انطلقت، فى نفس الوقت، تصريحات قيادات الجماعة بالتصعيد وتحريك أنصارها فى محاولة فاشلة للوصول إلى وزارة الدفاع، طلبا للصدام المطلوب من أمريكا لإنقاذ الإدارة الأمريكية من أزمتها، ولاستدعاء التدخل الأجنبى الذى يتصور «الإخوان» أنه سيعيدهم إلى الحكم رغم إرادة الشعب! إننا أمام جماعة قررت الانتحار، ولكننا أيضا أمام شعب استعاد ثورته واستعاد قراره الوطنى المستقل، ولن يسمح بعودة الحكم الفاشى الذى سقط مهما استعان بالإرهاب، ومهما كان دعم أمريكا أو إسرائيل له. ويبقى أن التأخير فى حسم الأمور يعنى المزيد من إراقة الدماء الطاهرة. ليس مقبولا أى تأخير فى تشكيل الحكومة الجديدة، ولا فى إصدار الإعلان الدستورى. فلتتحرك قوى الثورة لتأمين البلاد، وليكن واضحا للجميع، فى الداخل والخارج، أن صفحة الحكم الفاشل المستبد قد طُويت إلى الأبد، وأن أحدا لن يستطيع تعطيل مسيرة الثورة التى عادت إلى أصحابها.