مبروك لشعب مصر العظيم، أسقطنا الفاشية واستعدْنا الثورة وأعدْنا خفافيش الظلام إلى جحورهم، فلم يكن ممكنًا أن يستمر حكم يريد تغيير هوية مصر، وإعادتها إلى ظلام القرون الوسطى، ولم يكن ممكنًا أن يستمر حكم فاشل ومتخلف لا يعرف معنى الوطن، ولا يفهم إلا لغة الدم طريقًا للاستبداد والتمكين. فى خطابه الأخير الذى رفض فيه الانصياع لإرادة الشعب، كرر الرئىس المخلوع مرسى كلمة «الشرعية» 48 مرة! هذيان سياسى لا مثيل له، فعن أىِّ شرعية يتحدث، وهناك شعب بأكمله يطالبه بالرحيل؟! وعن أى شرعية يتحدث رجل أصدر الإعلان الاستبدادى ليجعل من نفسه حاكمًا بأمر الله، فوق القانون والدستور؟! وعن أى شرعية يتحدث من وقف يحتمى بالإرهابيين ويؤيد دعوتهم لقتل أبناء الشعب، لأنهم يطلبون إسقاط نظام فاشل وفاشى؟! وعن أى شرعية يتحدث وهو يدعو فى خطابه الأخير إلى الفتنة ويستحث أنصاره على رفض إرادة الشعب، ويتوهم أنه قادر على البقاء بالإرهاب وبدعم أمريكا؟! لقد سقط حكم الإخوان بإرادة الشعب. أما الإرهاب فسوف نطارده حتى نستأصل جذوره، وأما أمريكا فلها الخيار: إما أن تحترم إرادة الشعب مصر، وإما أن تقف مع الإرهاب وتتحمل النتائج! نعرف أن الإدارة الأمريكية فى موقف صعب، إذ كان رِهانها خاطئًا حينما اختارت أن تنحاز لتنظيم «الإخوان» الفاشى، وأن تدعم وصوله إلى الحكم، وأن تبنى استراتيجيتها فى المنطقة على وهم أن التحالف مع «الإخوان» سوف يحقق أهدافها، ويحمى مصالحها، ويؤمِّن إسرائيل، ويضمن أن تكون مصر تحت حكم تابع ومنبطح أمام إرادة واشنطن حتى تستكمل رسم الخريطة الجديدة للمنطقة فى غياب مصر، وعلى حسابها وحساب العرب. صعب أن تعترف واشنطن بفشل مخططاتها، وصعب أن تقول إن دعمها لحكم «الإخوان» كان خطيئة، وإنه لم يؤد إلا إلى وقوع مصر فى دائرة العنف والإفلاس الاقتصادى، وتحويل سيناء إلى ساحة للإرهاب، وتهديد مستقبل مصر والمنطقة. صعب أن تعترف واشنطن بفشل سياستها، وأن تعتذر عن دعمها للفاشية، وعن دور قبيح كانت سفيرتها فى القاهرة هى عنوانه الواضح. نعلم أن هذا صعب على الإدارة الأمريكية أن تفعله فورًا، وأنها تحتاج إلى الوقت، ولكن غير المفهوم أن تزيد الإدارة الأمريكية الموقف صعوبة على نفسها، وأن تغالط الحقائق التى تعرفها جيدًا، وأن نجد فيها من يتبنى موقف «الإخوان» بعد سقوطهم، فيصف ما حدث فى مصر بأنه «انقلاب عسكرى»! تعرف واشنطن أكثر من غيرها أن جيش مصر لم يكن يومًا جيش انقلابات، وتعرف أن ما فعله الجيش لم يكن إلا انحيازًا لإرادة شعب خرج منه 30 مليونا إلى الميادين فى أعظم مظاهرة عرفتها البشرية، يطلبون الخلاص من حكم فاشل وفاشى، وتعرف واشنطن أن ما حدث كان إنقاذا لمصر من خطر حرب أهلية، كان حليفهم الإخوانى يسعى إليها، وتعرف واشنطن أن جيش مصر لا يسعى إلى الحكم، ولا شعب مصر يرضى بغير الديمقراطية طريقًا لتحقيق أهداف الثورة. والأهم من ذلك أن تفهم واشنطن أن أى تدخل فى شؤوننا مرفوض، وأى تهديد حول المعونة سوف يكون الرد عليه حاسمًا. الأهم أن تفهم واشنطن جيدًا أن إرادة الشعب هى التى أسقطت فاشية الإخوان، وأن جيش مصر حمى هذه الإرادة وانحاز لها، وأن مصر قد عادت إلى الشرعية ولم تنقلب عليها، وأن أى خطأ فى التعامل مع هذه الحقائق سوف يكون ثمنه فادحًا، وأمريكا بالذات جربت ذلك وعرفت ثمن العداء لشعب مصر.