■ أكتب هذا المقال فى ليلة عيد الفطر المبارك فى عيادتى تاركاً لقلمى العنان لكى يخط مشاعرى دون ترتيب.. ورغم الآلام والجراح التى تثخن جسد مصرنا الحبيبة، فإن الشارع مكتظ بالناس.. هذا ينادى على بضاعته ويستحث المارة على رؤيتها.. والآخر يعرض أسماكه المملحة من الرنجة والفسيخ.. أما الأفران فتعرض كعك العيد.. ورغم جراحات السياسة وآلام كرّها وفرّها وحروبها وأحزانها.. فإن المصرى البسيط يحاول التسامى على آلامه السياسية -التى تطارده فى كل مكان- ليُسعد بيته وأسرته وأولاده. ■ فهذه تصطحب أولادها لتشترى لهم ملابس العيد.. هذا لا يعجبه ما تريد الأم فرضه عليه.. وهذه بضاعة صينية رخيصة عليها زحام الفقراء لشراء الاكسسوارات للبنات الصغيرة. ■ وهذا جارى صاحب محل العباءات النسائية البسيطة يقف فى الشارع الرئيسى لساعات ملوحاً بها لاصطياد الزبائن لتقوم زوجته بالبيع لهن فى المحل. ■ أما بائع «اليويو» فيعرضه بأبخس الأثمان للأطفال.. أما الأطفال فيبيعون التين الشوكى.. وكلما رأيتهم تذكرت ابنى الكبير حينما كان يفعل ذلك، وأنا فى المعتقل لكى يساعد الأسرة.. وكلما مررت عليهم سعدت بهم واشتريت منهم وأثنى على كفاحهم.. متذكراً أياماًً طويلة لكفاح أسرتنا فى أيام الشدائد. ■ هذا الشارع الرئيسى تدب الحياة فيه فى رمضان حتى الفجر.. لا تكاد فى هذه اللحظات التى أكتب فيها المقال أن تجد موطئاًَ لقدم. ■ الجميع يسأل فى لهفة رغم ذلك كله: متى تحل هذه المشكلة؟ يقصد المشكلة بين الدولة والإخوان.. الكل خائف وقلق على مستقبل مصر وأولاده ووطنه.. الكل يحاول أن ينسى دون جدوى. ■ لقد سكن القلق النفوس وقلوب المصريين.. حتى إننى أزعم أن المصريين لم يعرفوا توتراًً ولا قلقاً ولا إحباطاً ولا خوفاً على المستقبل مثل ما رأوه بعد 25 يناير وما تلاها وزاد ذلك فى هذه الأيام بعد حالة الاحتراب الأهلى فى مصر. ■ الكل ينتظر بزوغ فجر العيد.. يريد أن يرى عيداً بلا دماء ولا اشتباكات ولا صراعات سياسية.. ولا تحويل للعيد إلى مأساة أو مناحة أو قتلى أو جراحات.. أو يُتم فى البيوت.. أو أن يكون فى بيت من بيوتنا قابيل وفى الآخر هابيل.. المصرى البسيط يريد أن يستريح من أخبار الدماء والقصف فى سيناء على الشرطة والجيش.. ومن أخبار الدماء فى المظاهرات والمسيرات بين الإسلاميين وأجهزة الدولة أو بينهم وقوى سياسية أخرى. ■ أتأمل فى نظرات الناس وأتفرس وجوههم، فأراهم يرغبون أن ينطلق التكبير غداً دون أن تعقبه هتافات سياسية أو طلقات خرطوش أو غاز مسيل للأعصاب أو الدموع. ■ نريد أن نتلاقى جميعاً فى يوم العيد حتى إن تخاصمنا واختلفنا بعده.. نريد أن نردد سوياً شعار «الله أكبر.. الله أكبر».. نريد أن تنطلق حناجرنا بالتكبير سوياً دون نشاز بين أصواتنا وقلوبنا ومشاعرنا. ■ نريد أن نذل جميعاً لخالقنا وحده دون أن يذل بعضنا بعضاً.. أو يظلم بعضنا بعضاً. ■ صراع الكراسى سيستمر طويلاً.. فهل سنبقى على هذه الحال طويلاً؟ لماذا لا يستطيع المتنافسون على السلطة أن يتشاركوا سوياً فيها دون أحقاد ولا دماء؟ ■ أقول لنفسى أحياناً إن الساسة قد لا تدخل السعادة قلوبهم.. أفكر كثيراً أن السياسة ضد السعادة.. فطلب السلطة يُقسّى القلب.. والعوام أكثر سعادة ممن يعملون بالسياسة.. إنهم يسعدون لتحقق آمالهم البسيطة.. فيسعد أحدهم لأنه زوّج وستّر ابنته بعد كفاح طويل.. وهذا أكثر سعادة لأنه ستّر ثلاثاً من بناته.. وثالث لأنه استطاع أن يطعم أولاده من حلال، ورابع لأن شهر رمضان والعيد مضيا دون أن يقترض من أحد. ■ طالب الحكم والسلطة لا يسعد أبداً.. فهو يشقى فى طلبها ويشقى أكثر فى الحفاظ عليها.. وذب الخصوم والمنافسين عنها.. وحشد الأعوان ورشوتهم لدعمه وعونه. ■ آه.. ما أجمل الحياة البسيطة.. وما أسعد أن تعيش وتموت وليس فى قلبك حقد ولا حسد ولا بغضاء لأحد.. ولا تطلع إلى سلطة أو جاه أو منصب. ■ آه.. ما أسوأ ما جنته أيدينا خلال الأعوام القليلة الماضية.. فقد شب حريق الكراهية والحقد والضغينة حتى فى البيت الواحد والمكتب الواحد.. ومزّقت الأسر شيعاً وفرقاً ناهيك عن الشعب. ■ تُرى هل سيحل الصفاء والود والألفة إلى وادى النيل مرة أخرى.. أم ستكون أعيادنا دوماً بلا معنى؟