اندهشت عندما قرأت فى الأيام الماضية ما نشرته بعض الصحف عن خطة «الإخوان المسلمين»، المتمثلة فى حزب الحرية والعدالة، فى الهيمنة على وسائل الإعلام، خاصة المرئية، من خلال تدشين عدد من القنوات التى لا تعبر عن الجماعة بشكل رسمى، لكن تهدف إلى الترويج لسياسات الجماعة. اندهشت أن تكون تلك هى الخطة الإعلامية للحزب الفائز بانتخابات ديمقراطية وإرادة شعبية حقيقية. وكان من أهم الأسباب المذكورة وراء تلك الخطة هى مواجهة إعلام الفلول، أى الإعلام الذى يساند النظام السابق ويذم سياسات الإخوان المسلمين ويحاول إبراز سلبياتهم وتجاهل إيجابياتهم. ومما لا شك فيه أن جماعة الإخوان المسلمين تتعرض لبعض الحملات الهدامة، لكن من المستحيل أن تتحول الساحة الإعلامية إلى مجوعات تشن هجوما على مجموعات أخرى، فسوف يصل بنا هذا إلى تحويل الإعلام إلى ساحة فوضوية، تغيب فيها معايير المهنية والمصداقية، وتتحكم بها رؤوس الأموال. لذلك لزم وجود جهة تنظيمية للمؤسسات الإعلامية، من خلال إنشاء جهاز مستقل لتنظيم الإعلام المسموع والمرئى. ويكون هذا الجهاز هو الجهة المسئولة عن منح التراخيص لشتى الأفراد الراغبين فى تدشين قنوات إذاعية أو تليفزيونية. فوجود هيئة مستقلة لمنح التراخيص يعتبر الخطوة الأساسية لضمان التعددية ولوضع ضوابط لمختلف البرامج المقدمة فى وسائل الإعلام المسموعة والمرئية. والتعددية تعنى تنوع القنوات المتاحة للمشاهدين من خلال تنوع الملكية وإعطاء التراخيص لأفراد مختلفة، من أجل خلق ما يسمى بسوق الأفكار وتنوع وجهات النظر، وبالتالى طرح مختلف الأيديولوجيات من أجل تعزيز مبادئ الديمقراطية وعدم مصادرة بعض الآراء. إن محاولة بعض المجموعات السيطرة على وسائل الإعلام ليس فقط يقف عائقا أمام ممارسة الديمقراطية، نظرا لإعطاء فئة أو فئات قليلة المساحة للتعبير عن آرائهم، بل إنه بعتبر أيضا انتهاكا لحق المشاهدين فى الحصول على المعلومات من مصادر مختلفة وعرض وجهات نظر متعددة. كما يجب أن تكون المعايير الخاصة لمنح التراخيص واضحة ومعلنة، مثل قدرة المرخص له على امتلاك الموارد المالية والبشرية والخبرة الفنية اللازمة لتقديم البرامج بجودة وتقنية عالية تتماشى مع البيئة التنافسية الحالية، وقدرته على تقديم برامج تلبى مختلف احتياجات المجتمع، بالإضافة إلى عدم إعطاء التراخيص لأحزاب سياسية، حتى لا تستخدم هذه القنوات فى تشويه العملية السياسية، خاصة أن مصر تخطو خطوتها الأولى نحو الديمقراطية. أما الشق الثانى فهو يختص بوضع ضوابط لمختلف البرامج من أجل الحفاظ على كثير من المبادئ مثل الدقة، الحيادية، الموضوعية، احترام الخصوصية، معالجة القضايا الهامة مثل التحرش الجنسى والعنف والأمن، المصداقية فى تغطية الأخبار والتوازن فى تحليلها، وتمثيل كل فئات المجتمع والاهتمام بالأقليات. فهى ضوابط تهدف إلى تنظيم مضمون البرامج وضمان عدم خدمة أجندات خاصة وعدم ممارسة ضغوط سياسية أو اقتصادية على محتوى مختلف البرامج. وأخيرا يجب ضمان استقلالية هذا الجهاز من خلال النص عليه بشكل واضح فى القانون؛ من أجل تعزيز دوره فى حماية حق المشاهدين، والنص على ألا يكون الجهاز جزءا من أى مؤسسة حكومية أو تابعا لها، كما يجب إمكانيه مساءلته من قبل جهات تمثل المجتمع المصرى بفئاته المختلفة، مثل مجلس الشعب.