فى أعقاب 30 يونيو، انتشرت فى المحيط السياسى أقوال وتصريحات ومبادرات لعناصر الإخوان الكامنة وخلايا الجماعة النائمة تروّج لأفكار تستهدف تفريغ الإرادة الشعبية من مضمونها وتحاول الالتفاف على قرار الشعب وجيشه العظيم بأن عهداً جديداً قد بدأ. وقد استغل مروِّجو تلك المبادرات المرفوضة شعبياً وسياسياً ما تضمنته خارطة المستقبل لإعادة بناء الوطن من تركيز على «المصالحة الوطنية» لتمرير محاولات للخلاص من الجرائم التى ارتكبها الرئيس المعزول وجماعته وحزبه، والوصول بهم إلى «خروج آمن» من السجون التى يُحبس فيها من تم ضبطه وإحضاره منهم، أو من «سجن رابعة العدوية» الذى يختبئ فيه قادة «الجماعة» ومشايعوهم من المحرضين على القتل ومدبرى عمليات الترويع والإرهاب فى سيناء وغيرها من المناطق المصرية. فقد اقترح «العوا»، المرشح الرئاسى السابق والمحسوب على التيار الدينى، إسناد صلاحيات رئيس الجمهورية إلى رئيس وزراء جديد، تتوافق القوى السياسية على اختياره، وذلك وفقاً لدستور 2012، على أن تتم الانتخابات الرئاسية خلال 90 يوماً. وأضاف «العوا»، فى رسالة أذاعتها قناة الكذب والتضليل «الجزيرة مباشر مصر»، أنه «لا بد من مخرج سياسى لا يتم عبر القهر، وليس المخرج العسكرى أو الحل الأمنى، حتى نصل إلى كلمة سواء». وأقول إن رسالة «العوا» مرفوضة وأهدافها مفضوحة كما كانت كتاباته وتصريحاته دائماً هادفة لتمكين «الجماعة»، وأذكّره بحربه الشعواء على «وثيقة المبادئ الأساسية للدستور» التى كانت تتضمن معايير موضوعية لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وكانت على غير هوى «الجماعة» التى أرادت الانفراد بصياغة الدستور. وأذكّره أيضاً بتهديده بالعصيان المدنى وبدء ثورة ثانية، فى المليونية التى أطلق عليها هو و«الجماعة» «مليونية الطلب الوحيد» يوم 18 نوفمبر 2011 إذا لم يتم سحب الوثيقة التى أطلق عليها هو وجماعته «وثيقة السلمى». وما أشبه الليلة بالبارحة؛ إذ يعود «العوا» إلى ذات النغمة القديمة حينما قال: «أدعو الأخ الكريم السيسى والسادة الكرام من قادة القوات المسلحة أن يعلنوا سحب هذه الدعوة، وألا يتخذوا من العدد الموجود فى الشارع ذريعة لإطلاق الرصاص»، تماماً كما ادعى فى ميدان التحرير أن المادتين 9 و10 من «وثيقة السلمى» كانتا بوحى من المجلس الأعلى للقوات المسلحة حينذاك وهما تؤسسان لإعطاء المؤسسة العسكرية مركزاً متميزاً عن باقى مؤسسات الدولة فى الدستور الجديد، واصفاً المادتين فى مؤتمر عُقد بحزب الحرية والعدالة يوم 2 نوفمبر 2011 بحضور رئيس الحزب آنذاك محمد مرسى بأنه لم يجد شبيهاً لهما إلا فى الدستور التركى باعتباره أسوأ الدساتير فى العالم! ثم عاد «العوا» بنفسه وبحكم عضويته فى الجمعية التأسيسية ليوافق على إدراج نص المادتين وزيادة فى دستور 2012 ولم يُبد أى اعتراض على نصوص المواد الخاصة بالقوات المسلحة فى الفرع الثانى من الفصل الخامس من دستور 2012! ولعل ما يضيف إلى أسباب الرفض الشعبى العام لرسالة «العوا» تغافله التام، وهو الفقيه القانونى كما يلقبه حواريوه، عن الواقع القانونى الجديد الذى أسسه الشعب بخارطة طريق جديدة أعادت الوطن إلى المسار الصحيح من المسار الذى جاهد هو وجماعته لفرضه أثناء المرحلة الانتقالية لثورة 25 يناير، مما تسبب فى وصول «الجماعة» ومرسيها إلى الحكم وما أصاب البلاد من جراء هذا من كوارث وإخفاقات أنهاها الشعب بوقفته يوم 30 يونيو ثم أكدها يوليو 26 يوليو! ويتناسى «العوا» أن المصريين قد اختاروا رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً مؤقتاً للبلاد الذى كلف حكومة أكفاء بإخراج الوطن من المنحدر الذى ساقه إليه الرئيس المعزول وبطانته وسدنته ومنهم السيد «العوا» ذاته! كما يتناسى سيادته أن دستور 2012 الذى يستند إليه فى تقديم رسالته المرفوضة قد تم تعطيله بموجب خارطة المستقبل التى ارتضاها الشعب وهو المطلب الذى كانت حركة «تمرد» قد طالبت به. إن السيد «العوا» يتجاهل أن الوطن ليس فى أزمة الآن، ولكن حقيقة الأمر أن «الجماعة» وأنصارها هم الذين فى أزمة بعد أن فقدوا السلطة والرئاسة وفرص التمكين والأخونة والسيطرة على مفاصل الدولة وتحويل مصر إلى حلقة فى التنظيم الدولى للإخوان. وما الحديث المتواتر عن «مخرج من الأزمة» إلا بحث عن مخرج للجماعة التى فشلت فى إقناع جماهير مصر بقدرتها على تحقيق أهداف الثورة التى ادعت أنها ساهمت فى صنعها، ومخرج للجماعة من ورطتها بانكشاف طبيعتها الإرهابية وتغليب مصلحة التنظيم على مصلحة الوطن. والسيد «العوا» يبالغ فى تجاهل الواقع الجديد بعد 30 يونيو إذ يتناسى أن فى مصر رئيس حكومة حيث يطالب بأن يتم «تفويض صلاحيات رئيس الجمهورية إلى رئيس الوزراء وتجرى الانتخابات خلال 90 يوماً، وهذا يحتاج إلى توافق من القوى السياسية، لأنه لا يُعقل أن أفرض رئيساً للوزراء، ويجب أن يتفق الطرفان، الإخوان والقوى الإسلامية من جانب والجيش ورئاسة الجمهورية من جانب آخر»! عن أى انتخابات يتحدث سيادته وهو يعلم أن دستور جماعته يجرى تعديله وأن قوانين مباشرة الحقوق السياسية والانتخابات التى خربها مجلس الشورى المنحل لا تزال محلاً للتصويب، وعن أى «إخوان» و«قوى سياسية» يتحدث وأكثرهم مطلوب ضبطه وإحضاره! لقد قال الشعب كلمته، ومبادرة «العوا» مرفوضة «لأنها صادرة ممن لا يملك إصدارها»! والنصر لمصر!