ملعون فى كل الأديان من يسجن شعباً.. من يخنق فكراً.. من يرفع سوطاً.. من يسكت رأياً.. من يبنى سجناً، من يرفع رايات الطغيان.. ملعون فى كل الأديان من يهدر حق الإنسان حتى لو صلى أو زكى أو عاش العمر مع القرآن، لم يلتفت طارق البشرى كثيراً لما قاله الأفغانى، فقد غاب الضمير عند الإعلان الدستورى المشبوه «مارس 2011» الذى ساقنا إلى مفسدة الانتخابات أولاً، ومن وقتها يدفع المصريون الثمن من دماء شبابهم وتراجع ثورتهم واستنزاف موارد قوتهم حتى جاءت لحظة الحقيقة فى 30 يونيو، ويبدو أن الرجل الثمانينى مصرٌّ على العودة إلى سيرته الأولى ليضع يده فى يد الإخوان بمنطق «طلّع الإخوانى اللى جواك» لينتهى حسبما يريد التنظيم الدولى للإخوان «المظلمين» إلى وصف ثورة يونيو بالانقلاب فى تجاهل مغرض للملايين التى خرجت لتخلع ممثل الظلام والشر من القصر الرئاسى، والرجل الذى يمنحه البعض قداسة زائفة سيلاحقه حتى قبره عار استفتاء مارس 2011 ودفاعه عن مرسى وجماعته بدعوى خادعة مسماة بالشرعية فى وصلة إخوانية تتجاوز المنطق والتقاليد القانونية والدستورية التى تعلمها ويعلّمها، لا عصمة لأحد أمام غضب الشعب وإرادته، ولينزل البشرى إلى الشارع ليعلم تماماً أن جماعة «المظلمين» قد انتهت ووضعها المصريون فى صفوف التنظيمات الإرهابية، البشرى ينسى رغبة «المظلمين» العارمة فى سفك دماء المصريين ويصف جيش الشعب ب«الانقلابية» فى تناقض صارخ لما كتبه طوال الفترة الماضية عن فساد وعجز مرسى وفشله وسعيه للاستبداد بل وبيعه لمصر، وهنا نناقش هذه المواقف المتناقضة للرجل فى أربعة مواضع: أولاً: وصف الرجل فى حوار للزميلة «الشروق» فى نوفمبر 2012 بأن إعلان مرسى الدستورى كان انقلاباً على الشرعية الدستورية، بل وقال: الإعلان يمثل عدواناً على الديمقراطية والقضاء ويقلقنى صدور الدستور الجديد فى وضع انقلابى، كما أؤكد أن الذى حدث هو انقلاب على الديمقراطية الثورية المرتقبة! ثانياً: قال قبل صدور دستور «نصاص الليالى»: مشروع الدستور الذى سيستفتى عليه الشعب المصرى، تضمن قراراً بعزل قضاة من المحكمة الدستورية من وظائفهم. والسؤال الذى يثور هو «أليس فى ذلك نوعاً من التدليس»، والتدليس لغة هو كتمان العيب والمخادعة وإخفاء ما يستوجب الرفض أو الاستهجان. ووجه التدليس أنك تفصل قضاة بأسمائهم فى صيغة نص دستورى شديد العمومية والتجريد، وتختلس عليه موافقة الناخبين دون أن يدركوا! وذكر أيضاً فى نفس السياق: وللأسف فإن مشروع الدستور المطروح الآن قد تجرد فى المادة 176 من هذا الحكم بما يتيح من جديد عودة السلطة الطليقة لرئيس الجمهورية فى تعيين رئيس المحكمة وقضاتها على ما كان عليه الوضع قبل الثورة، ويكشف ذلك عن أن ثمة تخطيطاً لإقرار أوضاع قانونية تكفل لرئاسة الجمهورية نوعاً من الهيمنة على القضاء الدستورى! ثالثاً: قال عن الدستور الجديد أيضاً فى نفس الجريدة فى نهاية 2012: واضعو مشروع الدستور خشوا أن يكون إسقاط هذا الحق التاريخى «نسبة العمال والفلاحين» من شأنه إشاعة روح رفض مشروع الدستور بين العمال والفلاحين فلا يحصل المشروع فى الاستفتاء على الأغلبية المطلوبة فوضع الحكم لاسترضاء هذه الجموع لتسويغ الموافقة على المشروع، مع تصميم مسبق على إسقاط حقهم فور إقرار الدستور، وهذا فى ظنى وجه من وجوه التدليس فى صياغة النصوص والأحكام! رابعاً: ذكر فى مقال نشره فى مايو الماضى عن مشروع قناة السويس: مشروع القانون الذى أعدته الحكومة لا يبقى أى مظهر أو عنصر من مظاهر هذه السلطة على إقليم المفروض أنه ينتمى لمصر وأنه جزء من أرضها، وهو فى كل مواده يقرر تنازل الدولة عن السيطرة عليه وانحسار ولايتها عنه. وهيئته «هيئة إدارة إقليم قناة السويس» وما تسيطر عليه من إقليم، فى حيازة شخصية لرئيس الجمهورية ذى الإرادة الطليقة فى تحديد النطاق الجغرافى للإقليم والإرادة الطليقة فى تعيين من يديرون شأن هذا الإقليم بعيداً عن كل سلطات الدولة وأجهزتها! إذن البشرى يقول بأن مرسى انقلب على الشرعية وعصف بالقضاء والديمقراطية واستخدم صلاحيات التشريع بفساد واضح ودستوره جاء بهوى استبعاد مواطنين ينتمون إلى طبقة العمال والفلاحين ولاحق أنصاره قضاة المحكمة الدستورية العليا «يذكر البشرى أن هذا أكثر ما آلمه» فضلا عن سن قانون لإقليم قناة السويس ليصبح خارجاً عن إدارة الدولة المصرية بل ويطلق يد مرسى فى بقعة عزيزة من أرض الوطن، فى استباحة لم يفعلها مبارك نفسه، فإذا كان هذا الرجل كذلك «يبيع الأرض ويخدع الشعب ويفصل الإعلانات الدستورية والقوانين وينقلب على الثورة والشرعية الدستورية ويمارس عدواناً على القضاء والحريات والمساواة، فلماذا تستنكر علينا خلعه وجماعته؟ ولماذا تستنكر على جيشنا وقفته وراء غضب شعبه من عجز وفشل واستبداد «المظلمين»؟ جيشنا لم ينقلب يا بشرى بل يصنع تاريخاً كما يفعل دائماً مع شعبه، وقل لى إذا كنت تحمل ذاتاً بين جنبيك تحترم تاريخها ونفسها «كيف لك أن تكون عضواً فى لجنة العرضحالجى صبحى صالح؟» التى أفسدت علينا ثورتنا وأوردتنا إلى نفق «المظلمين»، يا رجل.. القبر قريب فقُل كلمة حق وتذكر قولك فى استصراخ الوطنيين لينقذوا قناة السويس قبل أن يبيعها مرسى وعشيرته: «وامصراه»؟ ما كنا نحسب أن أرضك وشعبك يقطعان ليشرب القوم بثمنهما لبناً!