انتظرت كثيراً وأنا أستمع لخطاب الرئيس محمد مرسى فى ميدان التحرير وهويعلن «لا للإعلان الدستورى المكمل» أو «لا لحل البرلمان»، غير أنى سمعته يقول «دولة مدنية ديمقراطية حديثة»، ولعل ذلك كان مربط الفرس فى خطاب الرئيس المنتخب الذى أصبح الآن الرئيس الشرعى. الحقيقة أن السيد الرئيس تمكّن من إرضاء كل الأطراف - عدا الناصريين - بمهارة منقطعة النظير يحسد عليها، وقد بدا من خطابه الهجوم الحاد، وهو فى الحقيقة يرتب لانسحاب عميق مؤثر، يرغب من ورائه تحقيق تقدم متفوق عن غيره. لم أرَ فى حياتى تكتيك «خطوتان للخلف.. خطوة للأمام» كما وجدته فى خطاب السيد الرئيس، وهو يؤدى يميناً رمزية أمام أنصاره فى الميدان، ألهب حماستهم ولبّى طموحاتهم، غير أنه فى الوقت ذاته لم يبدل من مسار الشرعية الدستورية، بل أقنع أنصاره بها وتوجه فى اليوم التالى إلى المحكمة الدستورية العليا لأداء اليمين الدستورية الشرعية أمامها. وربما يعتقد البعض أن السيد الرئيس مرسى فعل ذلك بغية خداع «العسكرى» أو لتهدئة خواطر أنصاره وحلفائه، وهو فى الحقيقة كان ينقل الوطن لوجهته الشرعية، فلأنصاره قال «كونوا إخواناً»، ولمعارضيه وقسم من حلفائه قال لهم «دولة مدنية حديثة ديمقراطية»، وللسلفيين وجموع الشعب قال «لو غاب النواب فأنتم موجودون»، وهو فى كل هذا كان يقدم معانى واضحة لا غموض فيها ولا مواراة أو تمويه أو معانى ملتبسة. خطاب مرسى أشبه بقنبلة يدوية دفاعية شديدة الانفجار تساعد صاحبها على الارتداد السريع للخلف دون خسائر شخصية أو لجماعته، وهو أشبه بفرقة عسكرية تنسحب تحت ساتر دخان كثيف وقصف مدفعى عالى النيران حتى تعيد ترتيب نفسها مرة أخرى، وهو الذى دعا أنصاره إلى رفع الحناجر بالهتاف «أحرار ثوار حنكمل المشوار»، وما لبث أن أكد لهم حاجتنا للعمل والإنتاج، و«الاحتجاج لا يستلزم أن نعطل المرور»، فى إشارة لضرورة عودة الأمور إلى طبيعتها. السيد الرئيس مرسى قدم نفسه لأول مرة زعيماً قادراً على تلبية احتياجات أمته دون أن يتنازل لمعارضيه أو يتراجع عن التزاماته، فكان أداء اليمين الرمزية فى الميدان مقابل أداء اليمين الشرعية فى «الدستورية»، وكان الأصل «الشعب» محل الفرع «البرلمان» دون أية إشارة لرفض حل المؤسسة التشريعية. إذا قصدها مرسى فقد نجح، حين قال «مدنية ديمقراطية حديثة» ولم يقل بمرجعية إسلامية، فهو يقدم نفسه رئيساً للجميع وليس لجماعة دون أن يخسرها، وهو بذلك قد خطا للأمام خطوة مهمة رغم تراجعه خطوتين للخلف أمام أعين الجميع. إذا قصدها مرسى فأهلاً وسهلاً به رئيساً لنا نحن كل المصريين، ولو كان يناور فلا فكاك من أنه سيظل رئيساً لجماعته فقط.