اهتزت الدولة لكلمات خرقاء لمذيع «دورات المياه الفضائية»، وانشغلت ليلة كاملة بالرد عليه لتجرب النار نفسها التى اكتوى بها آخرون تعرضوا للسب والقذف والتعريض بسمعتهم وشرفهم تحت سمع وبصر السلطة التى كانت راضية عما يفعله الكائن الفضائى وجواريه الفضائية، بل وكانت أجهزة الدولة العميقة ووحداتها للدعاية السوداء تستخدمه فى استهداف المعارضين السياسيين بالكذب دائما دونما دليل أو برهان فى ظاهرة تشير إلى دلالة خطيرة تتعلق بجدارة أجهزة هذه الدولة ونجاعتها وكفاءة القائمين عليها! المذيع الأخرق الذى حوّل الميديا إلى مصطبة للخروج عن معايير المهنة والآداب العامة يدير فضائيته بهوى مكاتب «الداخلية» التى ترغب فى عودة النظام القديم أملا فى تعويض سلطان زال خلال عام ونصف العام، مع رغبة أكيدة فى التشفى من الجميع خاصة من صنعوا بهم ذلك، أى الثوار والسياسيين الذين يتحركون من نفس أرضيتهم. خلال عام فائت، كم مرة تعرض الأخرق لسمعة شخصيات وطنية، وكم مرة نعت أحدهم بأوصاف يحاسب عليها القانون، وكم مرة افتأت على سيدات وفتيات، وكم شوّه ونكل بآخرين، بفسوق الجهال ونفاق السلطة القائمة والتعرى تحت غطاء وطنية هو أبعد عنها، والدولة القديمة وسلطتها الظاهرة فرحة تصفق لأنها أطلقته يعوى كل ليلة لينهش الأعراض وينال من القامات. قد يظن البعض من بنى وطنى، الذين لم يتلقوا قسطا من التعليم، أن ما يقوله الصدق؛ لأنهم يصدقون كل ما يقال على الشاشات، دونما تمحيص أو تفنيد أو علم بأن هناك مواثيق شرف تحكم مهنة توجه الرأى العام، الأخرق أعجبه الانفلات الذى يخلق الجدل فتحولت فضائيته بين يوم وليلة إلى «دكان تسالى» يضحك من خلاله العقلاء وتغيب معه عقول لم تنل فى حياتها فرصا للمعرفة. قد يلومنى البعض لأننى خصصت هذه الكلمات للحديث عن «الأخرق»، لكنها الحاجة إلى التنبيه بأن استمرار هذه المهزلة هى جرح لمشاعرنا جميعا بأن يسمع العالم ويرى مصر من خلال «حديث إفك فضائى» يتكرر كل ليلة دون ضابط أو رادع أو حضور لسلطة مهمتها ألا يتحول المجتمع إلى فوضى، فإذا كان الأخرق اليوم واحدا فإن الإغراء بمساحات الهواء قد يمنح آخرين الفرصة فنجد قنوات طائفية وأخرى جهوية وثالثة لتصفية الحسابات بين خصوم سواء فى السياسة أو الاقتصاد. المباشرة التى يستخدمها المذيع الأخرق ونالت من هيبة إحدى مؤسسات الدولة والركن الأخير فى منظومتها واتهاماته المتطرفة بالخيانة، ما هى إلا نتاج رقابة رخوة غيبت جبرا عن القيام بدورها من أجل هدف ما فى نفس يعقوب، واليوم وبعد انتخاب رئيس وجب لزاما على مؤسسات الرقابة وهيئة الاستثمار أن تضع حدا لإباحية إعلامية دامت شهورا، فدوام الحال الإعلامى دون تفعيل ميثاق شرف سيهيئ الأجواء إلى أن تتحول الساحة المصرية إلى ساحة حرب، لمسنا جميعا بوادرها فى الأيام التى سبقت انتخابات الرئاسة، وكان فيها الأخرق بطلا للتحريض. من يحاسب الأخرق على الكذب.. من يحاسب الأخرق على اتهامات الخيانة.. من يحاسب الأخرق على التشكيك فى الوطنية.. من يحاسب الأخرق على الشتائم والتعريض بالسمعة.. من يحاسب الأخرق على تلميحاته الدائمة بأنه رجل المخابرات؟ من انتقدوا «العسكرى» استهدفتهم الدولة ومؤسساتها الأمنية بطريقة أو بأخرى، رغم أنهم تعرضوا له فى شأن السياسة ولم يتهموه بالخيانة والعمالة، فماذا سيفعل صاحب السلطة خلال أيامه الباقية مع أخرق اتهمه بالخيانة؟ إنها سمعة وطن. كلمة أخيرة: هذه ليست دعوة للتضييق على حرية الرأى بل هى دعوة لضبط أداء منفلت خارج عن حدود اللياقة ومواثيق الشرف الإعلامى، وكما نقول ببساطتنا المصرية «العيل عديم التربية.. يجيب لأهله الشتيمة»!