كانت عقارب الساعة لم تغادر الخامسة عصراً بعد، وهو لتوه عائد من عمله بإحدى شركات الموبيليا بمدينة السلام، اتجه أحمد محمد ليبحث عن ميكروباص يعيده إلى منزله بعد عناء يوم طويل، مر ما يقرب من 5 دقائق، ثم ظهرت سيارة أجرة، سأله: «المحور؟»، فأشار إليه بالركوب، كان العدد بالداخل شبه كامل، فها هو السائق وعلامة الصلاة تتوسّط جبينه، تجلس بجواره سيدة تحمل طفلاً رضيعاً ملفوفاً بملاءة بيضاء، وفى الخلف يجلس رجل لا يبالى لشىء إلا للنظر عبر النافذة، وفى الكنبة الوسطى يجلس رجلان. وما إن ركب «أحمد» حتى طلب منه أحدهم أن يجلس فى الوسط، لأن المحطة التى سينزل فيها اقتربت، فوافق الشاب الثلاثينى على الفور، وتحرّك الميكروباص، وما هى إلا دقائق قليلة حتى فوجئ بشىء ما ينغزه به فى ظهره. استدار ليستفهم الأمر، فوجد الرجل الجالس فى نهاية الميكروباص، قد ترك النافذة التى كان ينظر من خلالها غير آبه بشىء، وقد صوّب ناحيته «آلى»، توهّم فى البداية أن هذا الرجل يريد أن يسرق الميكروباص بكل من فيه، ولكنه فوجئ بالرجلين الجالسين بجواره وأحدهما يوجه ناحيته مطواة والآخر يوجه «مسدس خرطوش»، وما هى إلا ثوانٍ حتى أخرجت السيدة الجالسة بجوار السائق مسدساً كاتماً للصوت من بين ثنايا الملاءة الموضوع فيها الطفل، وأعطته للسائق، وهنا أدرك «أحمد» أنها عصابة متكاملة تسعى لسرقته وربما أكثر من ذلك. حاول جاهداً أن يجمع شتاته وتحدث إلى الرجل الذى يصوّب الخرطوش فى رأسه، وقال له «طب إنتوا عاوزين إيه بس من غير ما حد يتأذى، وأنا هاديكم اللى تطلبوه»، ربما لم يشعر السائق بصدق حديث «أحمد»، فما كان منه إلا أن أطلق رصاصة خارج الميكروباص، ليؤكد لهم أنهم جادون فيما يفعلونه، وأن أى محاولة منه للمراوغة قد تكلّفه الكثير، فلم يكن أمامه إلا أن بدأ فى إخراج محتويات جيوبه شيئاً فشيئاً، وبعد أن تأكدوا من أنهم حصلوا على كل ما يملك، فتحوا باب الميكروباص وأخرجوه منه ولاذوا بالفرار». يقول «أحمد»: بعدما نزلت من العربية بابص على إيدى لقيت فيها دم، عرفت أن أكيد كان فيه حد قبلى هنا، وقاوم معاهم وآذوه فعلاً، فحمدت ربنا إنى نزلت سليم». وأضاف «بعدما تركونى أنزل ألقوا محفظتى فى الشارع، واتجهوا إلى نزلة «باسوس»، لأنهم يعلمون جيداً أن هناك كميناً بعد نزلة «الوراق»، وأنهم سيُعرّضون أنفسهم للخطر إذا ما مروا على هذا الكمين، ومعهم كل تلك الأسلحة».. «المشكلة أن شكلهم ماكانش يوحى بأنهم حرامية خالص، وده يؤكد أن دى نوعيات جديدة ظهرت، يمكن عشان فيه ناس كتير جاعت اليومين دول، لكن المشكلة إن ده حصل بالنهار، يعنى هما مابقوش يخافوا، والسرقة بقت عينى عينك وبكل أنواع الأسلحة». وأنهى حديثه قائلاً: «مش عارف يعنى هى الداخلية كده شايلة إيديها، وبقى المطلوب مننا نكشف عن الصحيفة الجنائية لكل اللى حوالينا عشان نتجنب السرقة؟».