لا تنخدع بابتسامته الجذابة وحضوره البراق، فتحت هذا الوجه الباسم رجل عرف كيف يدير كل الحسابات لصالحه، وكيف يحوّل كل الصراعات التى تحيط به إلى لعبة، يتسلى بها كما نتسلى نحن بمباريات كرة القدم التى يقدمها مجاناً على شاشاته لنا. عن الأمير تميم بن حمد، أمير قطر الجديد، نحكى. انظر إلى طوله الفارع وسترى فيه هيئة أبيه، أمير قطر «السابق» الذى كان يريد أن يلامس السماء بطموحه. تأمل عينيه اللامعتين، وسترى فيهما بريق وإرادة عينى والدته، الشيخة موزة بنت المسند التى لا ترضى إلا بتحقيق «كل» أهدافها. فى هذا الشاب، الذى لم يتجاوز 33 عاماً من العمر، اجتمع حب الأب، وأمل الأم. أحب حمد بن خليفة ابنه حباً جماً، رأى فى هدوئه وإنصاته واحترامه الشديد له، سنداً يتوكأ عليه، ويعهد إليه تدريجياً بكل الملفات المهمة فى قطر، من الأمن الداخلى، حتى صفقات التسليح، ومن الأحداث الرياضية، حتى ملفات الدبلوماسية الخارجية. وفى هدوء، بلا إثارة للضجيج ولا الضوضاء، وصل تميم إلى منصب ولى العهد القطرى، مزيحاً كل إخوته الأكبر منه سناً، ليسلمه والده السلطة مطمئناً، راضياً، فى سلاسة ناعمة، تتناقض تماماً مع الانقلاب الذى أطاح فيه الأب نفسه بالجد من السلطة يوماً ما. عليه استندت والدته، الشيخة موزة، لتأمين مستقبلها. وضعته على رأس مجلس إدارة «مؤسسة قطر» التى تديرها وتعتمد عليها لتستمر تحت الأضواء بعد خروج زوجها من الحكم. كان دخول تميم إلى مؤسسة والدته يرسل رسالة مباشرة لكل من يرغب فى مواجهتها بأنها ستظل فى حماية ابنها كما كانت تحت حماية زوجها من قبل، وأنه لن ينسى لها فضل مساندته حتى أصبح ولياً لعهد قطر، ومن بعدها أميراً. لكن، مهما كان التشابه بين تميم ووالديه، يظل اختلافه عنهما واضحاً: لا يحمل الأمير الشاب استعراضية والدته، ولا ذلك الحضور المستفز الذى كان يثيره أبوه. ولا يحب الأمير «الهادئ»، كما يطلق عليه الفرنسيون، أن يلفت إليه الأنظار بشرارات تتطاير من تصريحاته، كما كان يفعل خصمه اللدود حمد بن جاسم، رئيس وزراء قطر، «السابق» غالباً. المتابعون لكواليس الصراعات القطرية، يعرفون جيداً أن الأمير تميم سحب لنفسه تدريجياً كل الملفات المهمة التى كان رئيس الوزراء يتابعها، من التدخل القطرى فى ليبيا وحتى إدارة الصراع فى سوريا. هذا الصراع الذى أدى «فشل» حمد بن جاسم فيه غالباً إلى «حسم» المواجهة بينه وبين ولى العهد، لينتزع به إدارة البلاد كلها، لكن، دون أن يتخلى عن متابعة سلاحه الأمضى والأهم فى السيطرة على قلوب الشعوب: قنوات الجزيرة الرياضية التى دخلت كل بيوت ومقاهى المصريين والعرب، واحتلت عقولهم وقلوبهم وأوقاتهم، دون أن تضطر قطر «الجديدة» تحت قيادة تميم، لإطلاق رصاصة واحدة!