يجلس هادئاً لا يشغل باله كثيراً بمصيره، لا يبدو متوتراً أو مرتبكاً.. تغيب عنه الابتسامة تماماً، لكن منظر دم شقيقه الأكبر الذى ذبحه ب«مطواة» لا يفارق ذاكرته.. ومشاجرتهما الأخيرة التى نشبت فى منزلهما بالبدرشين كانت بسبب 50 جنيهاً حاول المتهم أخذها من شقيقه لشراء أقراص مخدرة. «سيد» أتمّ عامه التاسع عشر منذ أيام.. أنهى حياة شقيقه وترك جثته فى الشارع، وذهب لشراء هاتف محمول ثم عاد إلى المنزل ليجد الشرطة والأهالى فى انتظاره وألقوا القبض عليه فى هدوء تام، ليبدأ رحلته فى حجز قسم الشرطة وطرقات النيابة العامة ويعود معهم مرة أخرى لتمثيل الجريمة التى أوشكت على الإنهاء على مستقبله وأحلامه البسيطة. يستقبلك «سيد» بوجه طفولى لكنه لا ينتمى لعالم الطفولة، يشرح بهدوء أعصاب تفاصيل جريمته التى استغرقت 15 دقيقة فقط كانت كفيلة بصعود آخر أنفاس شقيقه إلى السماء.. وفضّل المتهم أن يبدأ بوصف مشهد دماء شقيقه التى أكد أنه لم ولن ينساها قائلاً: «يوم الأربعاء اللى فات طلبت من أخويا الكبير محمد 50 جنيه لحد ما اقبض من الورشة اللى انا باشتغل فيها، محمد رفض وقعدنا نزعّق أنا وهو مع بعض، وكانت مشكلة كبيرة، والأمور اتطورت لخناقة لما لقيته بيمد إيده علىّ.. ماقدرتش أمسك نفسى وطلعت مطوة كانت معايا فى جيبى، قرن غزال كنت لسه شاريها ودبحته بيها، وأخدت الفلوس من جيبه وسبت جثته ورحت اشتريت موبايل جديد ورجعت لقيت الدنيا مقلوبة والناس والشرطة قالوا لى إن أخويا مقتول وانا اللى قتلته فاعترفت على طول وقبضوا علىّ فى وقتها». يستكمل المتهم: «والله العظيم أنا ماكانش قصدى اقتله.. هو اللى كان عايز ياخد منى المطوة، وضربنى فى رقبتى لحد ما غزيته فى رقبته وماكنتش أعرف إنه مات، بس لما رجعت على البيت بعدها بشوية حوالى ساعة كده عرفت الخبر». يتوقف المتهم عن الكلام ويدخل فى نوبة بكاء شديدة، ويقول: «الله يرحمه، كان طيب وكان بيحبنى وكنا بنشطب الشقة بتاعته عشان يتجوز فيها»، ويسترد المتهم كلامه بعد نوبة البكاء بالحديث عن والدته تاركاً الجريمة التى ارتكبها: «احنا أسرة مكونة من 3 أفراد؛ أنا واخويا الله يرحمه وأختى الكبيرة، والدى منفصل عن والدتى وكان عندى 3 سنين، ووالدتى هى اللى تعبت فى تربيتنا احنا التلاتة، كانت بتبيع فاكهة وخضار وفضلت تربى فينا لحد ما رحت المدرسة بس ما لحقتش اتعلم الكتابة والقراءة». يتابع المتهم: «كان عندى 12 سنة، كنت فى سنة أولى إعدادى وقلت اتعلم صنعة أحسن عشان اساعد والدتى فى المصاريف، ورحت اتعلّم فى ورشة واشتغلت استورجى، وكنت باقبض بالأسبوع، وأول مبلغ قبضته كان 2 جنيه ونصف، ورحت رايح بيه على البيت جرى واديت لوالدتى الفلوس وقلت لها من النهارده إنتى هترتاحى خلاص بقيت باشتغل وهاصرف على البيت وعلى اخواتى عشان هما فى المدرسة، أنا أصلاً والدتى ردت علىّ بكلمة واحدة لسه فاكرها: «ربنا يحميك يا ابنى»، وفضلت تدعيلى، المهم إن انا فضلت اشتغل من ورشة لورشة لحد ما وصل مرتبى ل300 جنيه فى الأسبوع، وكنت شاطر قوى فى شغل الاستورجى، وبعد فترة والدتى تعبت وانا واخويا كنا بنصرف على البيت. ومن حوالى سنتين والدتى ماتت ودا كان السبب الرئيسى فى الخلاف مع اخويا الكبير عشان الورث، لإننا ورثنا من والدتنا 2000 جنيه وقسمناها أنا واخويا، واختى كانت اتجوزت وخلاص. إحنا أخدنا البيت وكان عبارة عن دورين واتفقنا على جواز اخويا الكبير فيه». يضيف سيد: «المشاكل كترت قوى بينى وبين اخويا الكبير بسبب إدمانى المخدرات، وكنت باحتاج منه فلوس على طول وكنت باخد على طول منه فلوس، بس اللى حصل إن فى آخر مرة كنت عايز منه 50 جنيه هو مارضيش يدفع لى بس اللى حصل انى قتلته». المتهم يذكر ويصف المشهد ويعود له أثناء وصلة من البكاء قائلا: «بص، شوف، هو اللى ضربنى فى رقبتى الأول لما بدأنا نتخانق أنا وهو بالمطوة».. وأشار بيده على جرح فى رقبته، وأكمل: «والله ماكانش قصدى اقتله، اللى حصل إنى رجعت من الشغل وماكانش معايا فلوس، طلبت منه 50 جنيه عشان اشترى بيهم برشام، بس هو اتخانق معايا وضربنى بحتة حديدة على رقبتى وانا رحت مطلع المطوة من جيبى وغزيته فى رقبته وأخدت الفلوس ورحت اشتريت موبايل جديد ورجعت على البيت بعد ساعة، ولقيت الدنيا اتقلبت والناس والشرطة بيقولوا: أخوك اتقتل وانت اللى قتلته، طب والله العظيم ماعرفش انه مات، دا أخويا الكبير». يستكمل المتهم: «لقيت قدام البيت ظباط كتير وعربيات شرطة واقفة، وأول ما دخلت المنطقة الناس جريوا علىّ والظباط راحوا ماسكينى وركّبونى البوكس من غير كلام ولما رحت القسم اعترفت بكل حاجة». وأمام العميد جمال نفادى مأمور المركز، والمقدم محمد غالب رئيس المباحث، والرائدين هانى إسماعيل وعمرو يسرى معاونى المباحث، اعترف المتهم بأنه قتل شقيقه لخلافات على مبلغ مالى وأنه سلم المطواة للمقدم محمد غالب، وعقب تحرير المحضر أخطر اللواء محمد الشرقاوى مدير الإدارة العامة للمباحث المستشار أحمد البحراوى المحامى العام الأول لنيابات جنوبالجيزة، وباشر التحقيقات وانتقل للواقعة محمد شقير رئيس نيابة البدرشين، وقررت النيابة حبس المتهم 15 يوماً على ذمة التحقيقات بعد أن وجّهت له تهمة القتل العمد المقترنة بالسرقة وطلبت تحريات المباحث النهائية حول الواقعة وسجلت اعترافاته تفصيلاً أثناء تمثيله الجريمة.