فى قلب منطقة شعبية بروض الفرج فى القاهرة.. يقف رجل فى الخمسينات أمام سرادق عزاء ابنه.. حوله أقاربه وجيرانه: «شد حيلك يا أبوأحمد.. ابنك مات شهيد». يحرك عبدالخالق رأسه ويشير إليهم بعلامات الرضا وقبول بقضاء الله.. يقول بكلمات ممزوجة بالحزن والحسرة: «حسبى الله ونعم الوكيل.. ابنى قتلوه البلطجية لما نزل يسلك خناقة بينهم وبين أصدقائه.. مش عارف أعمل إيه.. نمشى من البلد ونسيبها للبلطجية طالما مش هنعرف نعيش فيها؟! أحمد كان بيحلم إنه يكون صحفى.. تعب فى المذاكرة لحد ما دخل كلية الإعلام.. كان باقى له سنة وهيخلص لكن قتلوه البلطجية». الأسبوع الماضى.. الضحية أحمد عبدالخالق على، 23 سنة، طالب فى الفرقة الثالثة بكلية الإعلام.. يطلب من والده الذهاب إلى منزل أصدقائه فى منطقة المساكن الشعبية المجاورة لمنزله فى روض الفرج.. أثناء وجوده فى الطابق الثالث شاهد صديقه يتشاجر مع 3 بلطجية.. وعندما تدخل لفض المشاجرة والصلح بينهم.. فوجئ بالمتهمين ينهالون عليه طعناً بالمطاوى حتى سقط على الأرض غارقاً فى دمائه وفارق الحياة داخل مستشفى معهد ناصر بعد احتجازه داخل غرفة الرعاية المركزة 6 ساعات. المقدم معوض نور الدين، رئيس مباحث قسم شرطة روض الفرج، انتقل على رأس قوة من القسم بصحبة معاونه الرائد كريم الفقى، وتم ضبط المتهمين، وبسؤالهم اعترفوا بتفاصيل الواقعة وأنهم سددوا عدة طعنات فى بطن وصدر المجنى عليه أثناء محاولته منعهم من الاعتداء على صديقه. والد الضحية قال: «كنت موجوداً فى مستشفى تبارك مع ابن أخى وقت وقوع الجريمة.. تلقيت اتصالاً من زملاء ابنى أخبرونى بأن أحمد تعرض للإصابة أثناء محاولته فض مشاجرة.. وأنهم فى الطريق إلى مستشفى الساحل التعليمى.. وعندما توجهنا إلى هناك شاهدت ابنى فاقداً الوعى ورفض المستشفى قبوله». توجهوا به إلى مستشفى معهد ناصر.. لكن الأطباء رفضوا إسعافه فى بادئ الأمر بحجة عدم وجود دم فى المستشفى.. وسرعان ما تجمع العشرات من أقارب وجيران أحمد للتبرع بالدم.. وفوجئوا بالأطباء يخبرونهم بضرورة نقل المصاب إلى مستشفى قصر العينى لأن الدماء التى تبرعوا بها تحتاج إلى مدة تتجاوز 60 دقيقة حتى يتم توافقها مع دماء المجنى عليه. يضيف الأب: مع تعنت الأطباء وإدارة المستشفى اتصلت بأحد المسئولين فى وزارة الصحة أخبرونى أن مستشفى معهد ناصر به 3 بنوك دم.. توجهت إلى مدير المستشفى وأخبرته.. رد علىّ: «انت مش هتعرّفنى شغلى». لم يكن أمام أقارب الضحية سوى البحث عن الدم فى مراكز وبنوك الدم فى المستشفيات الخاصة حتى تمكنوا من شراء 6 أكياس وتوجهوا إلى مستشفى معهد ناصر لإنقاذه، ووافق الأطباء على دخول أحمد بعدما تجمع قرابة 3 آلاف فرد من أقاربه وجيرانه أمام المستشفى، وأجريت له جراحة عاجلة فى الشريان الأورطى، وبعد خروجه من غرفة العمليات ب6 ساعات فارق الحياة. «الأطباء بيعاقبوا المرضى علشان الكادر بتاعهم لسه ماطبقش».. بهذه الكلمات فسر والد المجنى عليه ما حدث لنجله داخل المستشفى، قائلاً إنه ذاق الأمرّين فى المستشفى، بسبب تجاهل الأطباء لحالة نجله وتباطئهم فى إسعافه حتى تسبب الإهمال فى وفاته، موضحاً أن نجله رفض أن يدخل كلية الهندسة وصمم على دخول كلية الإعلام «علشان يطلع صفحى ويحارب الفساد». «ابنى اتقتل عن عمد مش زى ما الشرطة كتبت فى المحضر إنه مات فى مشاجرة، أنا مش عارف هما ليه عملوا كده رغم إن جميع شهود العيان راحوا القسم وقالوا إن أحمد مالوش دعوة وكان بيسلّك والمتهمين ضربوه فى وسط الشارع».. هكذا انتقد والد الضحية دور الشرطة، موضحاً أنها الخطوة الأولى فى إضاعة دم ابنه من جانب الشرطة قائلاً: «طب مفيش أمن فى المنطقة وسايبين البلطجية فى كل حتة واقفين على نواصى الشوارع بيبيعوا مخدرات ومش عاوزين يمسكوهم، وكمان بيعملوا محاضر ملفّقة ومش حقيقية، بس احنا مش هنسيب البلد للبلطجية وهنواجههم لحد آخر نفس». قال إن ابنه كان معروفاً بين جيرانه ب«الشهم» وأنه لم تحدث مشكلة إلا وتدخل لمحاولة حلها منذ إقامتهم فى المنطقة عام 1995 بعد عودتهم من السعودية. «وحجزت المصيف السنة دى فى جمصة علشان أحمد طلب منى كده، كنا هنمشى بعد ما يخلص امتحانات بس اللى حصل كان صدمة كبيرة»، ثم أشار والد أحمد إلى أنه اتفق مع نجله على أن يغير مكان المصيف بناء على رغبته واستجاب لطلبه حتى يكافئه بعد اهتمامه بمذاكرته وتفوقه فى دراسته. «ربنا ينتقم منه اللى عمل فيك كده يا حبيبى».. هذه كانت كلمات جدته رسمية على مصطفى التى قالت بكلمات ممزوجة بالحزن والأسى إنها لن تنسى أحمد لحد ما تموت لأنه كان كل شىء فى حياتها، مشيراً إلى أنه كان يطمئن عليها يومياً قبل ذهابه إلى الجامعة وبعد عودته، ثم ظلت تردد: حسبى الله ونعم الوكيل.