الحلم رسالة خاصة جدا، تصل إلى صندوق بريد خيالنا كل ليلة، فيما يعجز كثيرون منا عن فك شفرتها. «عم أحمد رأفت»، واحد من القلة التى وهبها الله مهارة فك تلك الشفرة، فأصبح قبلة الحالمين فى مصر. داخل بيته الهادئ، وبحضور زهرتيه الصغيرتين «دعاء وإسراء» والزوجة الصابرة، أمام جدران تزينها لوحات رب البيت، سألته «الوطن» عن بداية المعاناة فى مشوار العمر، فقال: إنها الإعاقة التى تعرضت لها بعد عامين من الولادة، نتيجة خطأ طبى؛ حيث أصابتنى حقنة بشلل كامل، ومنذ ذلك اليوم، أصبحت النقطة الأساسية فى اهتمام الوالدة، التى كانت تعمل فى مجال التربية والتعليم، ما كان سببا آخر فى نجاحى، فى تحدى ظروفى؛ فثقافة وعقلية أمى المتحضرة لم تحولانى لمجرد مريض، يحتاج للرعاية الطبية فقط، وإنما كان التعليم والثقافة هدفا أساسيا فى خطتها التى كانت ترسمها لى، واتفقت مع كل المدرسين على الحضور إلى البيت، لاستحالة ذهابى إلى المدرسة، وكانت تنتقى الأساتذة وتهتم بأن يكونوا على درجة كبيرة من الثقافة، إلى جانب قدراتهم التعليمية، حتى يتفتح بينى وبينهم أكبر قدر ممكن من المناقشات الثقافية التى يمكن أن أستفيد منها بجانب المواد الدراسية، ما نجح معى بامتياز وجعلنى من فضل الله، قارئا متميزا فى كل أفرع الثقافة. سألناه: هل يعنى هذا أنك علمت نفسك بالثقافة؟ يتوق عم أحمد لتوجيه نصيحة: أود أن أنصح الآباء والأمهات بأن تكون الثقافة محور اهتمام لديهم، بجانب التعليم؛ لأنها غالبا الأبقى والأكثر فائدة. سألناه: ما حكاية «كوكتيل المواهب» الذى تمتلكه؟ يجيب ضاحكا: فضل من ربنا، الحكاية أننى كلما كنت أجد لدىّ موهبة، كنت أحاول إشباع نفسى منها، وما تراه حولك من رسومات هو نتاج سنين طويلة، من حب الرسم وقراءة الكتب، وعنادى مع إعاقتى، فربما تأخذ اللوحة أياما وشهورا، وربما يبدأ التعب والملل فى ملاحقتى، لكنى كنت أستعيد لياقتى لأنهى ما بدأته بنفس الروح، ليخرج العمل مثيرا لإعجاب من يراه. تشير الزوجة بفخر إلى لوحة «عم صابر»، فيما يشير أحمد إلى صورة رجل أسمر يستند بخده على يديه فى استكانة وصبر، قائلا: كانت دوما أكثر ما يعجب المهتمين بالفن، أما الأولاد فهم سعداء بها لأن زوجتى تعرف «عم صابر» نفسه وحكت لهم عنه. تضيف زوجة عم أحمد: إنه كتلة مواهب خلقت لتتحدى كل الظروف؛ فإلى جانب الرسم الرائع، يعمل «أحمد» بحرفية شديدة فى فن صناعة النجف، وهى عملية متعبة وصعبة جدا، فما بالك بالنسبة لظروفه؟ بجانب هذا هو موسيقى ومغنٍّ ذو صوت رائع، وكان عضوا فى فريق غنائى ضم أصدقاءه، كما أنه حاز ميدالية نفتخر بها جميعا، حينما كان مدربا لفريق كرة القدم الخماسى بأحد النوادى الخاصة، وفاز بميدالية أحسن مدرب.. تتوقف لحظة: إلا أننى أعتبر مهارته الأهم تعليم بناته؛ فهو يمتلك قدرة مدهشة لكيفية توصيل المعلومة.. خالد القاضى، صديق «عم أحمد»، يقاطعها: «كل هذا جميل، لكنه فى كفة وتفسير الأحلام فى كفة». سألت: ما حكاية تفسير الأحلام؟ يبتسم «عم أحمد» ويقول: «حاجة كده من فضل الله، بدأت معى مصادفة، حينما كنت شابا سمعت حلما لإحدى السيدات، ولم أدر وقتها لماذا ولا كيف ولا من أين جاء إلى عقلى هذا التفسير، إلا أننى بعد فترة تأكدت أن كل استنتاجاتى تأتى مطابقة للواقع». يضيف: إحدى الجارات رأت نفسها تسقط من شرفة المنزل، فحكيت لزوجتى أنها حامل وستفقد الجنين، لكن لم يوافق أحد على هذا التفسير، وقالوا إنها ليست حاملا أصلا، والمدهش أنه بعد فترة علم الجميع أنها كانت حامل وفقدت الجنين، ولأننى أعشق أن تكون كل الأمور قائمة فى نجاحها على العلم الحقيقى وليس على الشعوذة والخرافة، رحت أتعمق فى هذا العلم الفريد، حتى وصلت بفضل من الله لدرجة متميزة جدا. وكيف تتم عملية التفسير؟ أجاب: أهم مرحلة فى التفسير الدقيق مرحلة سماع الحلم؛ لأن كل كلمة أو إشارة أو رمز فيها له مدلول خاص، وربما يغير أحد هذه العوامل خط سير التفسير كله ويحول مجراه تماما، فمثلا النمل فى الحلم لو كان داخلا إلى المنزل معناه خير بطىء فى الطريق، بعكس خروجه؛ فمعناه مشاكل عنيفة مقبلة، والفأر من وجهة نظر أغلب المفسرين عقوق الابن أو ضائقة مالية، مضيفا: بعد السماع يفتح الله على العبد لله بما يفتح وأبدأ فى تفسير رمزية الحلم لصاحبه، والله ورسوله أعلى وأعلم. يشير المفسر «عم أحمد» إلى أنه من الواجب أن يعرف طالب التفسير الحقيقة، مستدركا: لكن من الفصاحة أن نبشر ولا ننفر، وأحاول أن أوضح له ما فتح الله به علىّ بشكل غير منفر ولا محبط، ولكن الواجب أن أحذره إذا رأيت ما يستوجب ذلك. ويعترف بأن هذه الموهبة أثرت فى علاقته بمن حوله، يقول: أصبحت أكثر شهرة بين من حولى، وأصبحت صاحب التفسير الأكثر وضوحا بالنسبة لأقاربى وأصدقائى؛ لدرجة أنهم أصبحوا يستشيروننى فى أمورهم الخاصة بمجرد ما تظهر لأحدهم أى رؤيا. حين سألناه عن أشهر حلم فسره، ضحك قائلا: حلم الرئاسة، عندما بدأت الانتخابات الرئاسية حلمت أنا شخصيا بالرئيس مرسى وهو يجلس مع صاحب المنزل الذى أسكن به، ويتفق معه على بعض الإصلاحات التى كنت أريدها فى المنزل، ووجدت مرسى يعرج، رغم أنه يسير بسرعة، فتوقعت أن يكسب السباق الرئاسى؛ لأن العروج فى اللغة يعنى الصعود. بمناسبة الحديث عن الرئاسة، سألناه: كيف ترى التعامل مع المعاقين بعد وصول الإخوان للحكم؟ فأجاب: «زى قبل الثورة، لا جديد»، كل الأمور يتم التعامل معها من خارج زاوية الرؤية السليمة، طوال عمرنا نفكر فى حل مشاكل المعاقين بطرق سطحية ساذجة، فى الوقت الذى يمكن أن يكون المعاقون أنفسهم الحل السحرى إذا جرى وضع آليات غير نمطية للاستفادة من قدراتهم، التى ربما تكون السبب المباشر لحل مشاكل كبيرة، وعلى سبيل المثال: إذا فكرنا فى وسيلة نقل محترمة وآدمية لمتحدى الإعاقة، إلى مكان يمارسون فيه مهمة تعليم الأميين، سنصبح أصحاب أكبر مشروع مكافحة للأمية فى التاريخ. ومن خلال جريدة «الوطن»، أطلق مبادرة «استغلونا صح» لمحو الأمية، ووقتها سنعرف جميعا القوة التى ربما تكون بين أيدينا ولا نشعر بها. ويستطرد «عم أحمد» بمنتهى الحماس: على مر الأيام كان استغلال الإعاقة العامل المشترك الأكبر بين كل الحكومات، كنوع من أنواع «الشو» الإعلامى، بكلام فى ظاهره الرحمة وفى باطنه استغلالنا لأهداف أخرى، وكان الأمل فى العمل الاجتماعى ضعيفا، أما الآن فالدنيا تغيرت. سألته: من الشخصية التى تتوقع أن ينفذ حلمك لخروج مصر مما هى فيه؟ فتنهد وقال بلا تردد: صلاح الدين الأيوبى، مصر محتاجة راجل زيه.