فى «كوميكس» شهير منتشر على صفحات «فيس بوك» سأل شاب أمريكى صديقه المصرى عن أحلامه، فرد: «نفسى أعيش بكرامتى وأحصل على وظيفة مناسبة، وأحظى برعاية طبية جيدة» فأصيب الأمريكى بذهول، وقال: «لكن هذه حقوق وليست أحلام!!».. هذا الحوار القصير الذى أبدعه شباب مصريون وتناقلوه فيما بينهم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى يلخص ببساطة ما وصل إليه حالنا فى عهد النظام السابق، فقد تراجعت الحقوق خطوات لتصبح آمالا وأحلاما، وتراجعت الأحلام لتصبح مستحيلات، فكانت الثورة بداية لطريق جديد. حلم العيش بكرامة، ربما يقلق البعض على إمكانية تحقيقه بفعل ما حدث فى الشهور الماضية، غير ان كتاب «أحلام المصريين.. من وجع القلب لراحة البال»، الذى تنشره دار «الشروق»، للكاتبة هند إسماعيل، قد يقدم رؤية اخرى بعد ان جابت كاتبته غالبية محافظات مصر، تتحدث مع أبناء هذا البلد، كل يطرح همومه ومشاكله، ويقترح حلولها، ويعبر عن آلامه وآماله وأحلامه، والتأكيد على أن الزمن لن يعود إلى الوراء.
يكشف الكتاب لكل محبط ويائس مما حدث بعد الثورة، أن الثورة تنجح عندما تحرر العقول والقلوب، إذا استطاعت أن تضىء النفق المظلم الذى تراه ممتدا بطول حياتك، الثورة لا تنجح بالإطاحة بالنظام فقط أو تغييره، ولا تفشل إن أعقب النظام المطاح به آخر لا يلبى أهدافها، لكن تفشل إذا لم تعيد أحلامنا وتوقظ آمالنا وتحرر العقول.
جميع النماذج التى أوردتها هند إسماعيل فى كتابها تزيح الستار وتجلى الغمام عن طاقات أمل ونور ورغبة قوية فى النهوض، وإن كانت مختبئة وراء أوجاع وهموم وآلام... الكتاب يرسم صورة حية للشعب المرجو، تماما مثل التى تمناها شاعرنا الكبير صلاح جاهين، فى أغنيته الرائعة «صورة صورة» التى غناها العندليب عبدالحليم حافظ، ولحنها البارع كمال الطويل.. «الصورة مافيهاش الخامل.. والهامل واجبه ونعسان.. مافيهاش إلا الثورى الكامل، المصرى العربى الإنسان».
الكتاب مساحة للشعب بكل تياراته وثقافاته وأفكاره.. فيه القاهرى، وأبناء بحرى، والصعيد الجوانى. رجال سيوة وسيناء، ونساء أسوان والإسكندرية، منهم من هو متعلم، ومن لم يجد حظه فى التعليم.. المثقف ومن لم يقرأ كتابا واحدا.. الحرفى والفلاح والعامل، وأستاذ الجامعة والطالب والفنان.. صورة حقيقة اخترنا فى «الشروق» عرضها فى سلسلة حلقات عن الآمال والأحلام، وإن مرت بالهموم.
حلم العيش بكرامة
«إحنا أول يوم سمعنا فيه عن الثورة، قلنا مبارك حايقول خطاب والناس هاتهدى وخلاص. والحكومة كالمعتاد حاتعتقل الأولاد دول وخلاص على كدا.. لكن بعد كدا لاقينا الموضوع اختلف والشباب عنده إصرار.. فرحت أوى وطلعت بولدى، وقلت له انت لازم تييجى معايا نشارك فى الثورة رغم ان ابنى عنده 13 سنة وفى واحد ظابط من اللى كانوا واقفين فى المظاهرات سألنى ده ابنك.. قلت له أيوه.. قالى أنا ممكن أضعيهولك فى دقيقة واحدة لو ما مشتيش من هنا، لاقيت نفسى برد عليه وبقوله حتى لو ضيعته، هيكون شهيد ولو عاش والثورة نجحت هيعيش بكرامته.. إللى احنا ماعرفناش نعيش بيها... كان كل عقلى ان ابنى لازم يكون راجل ويعرف يعيش وهو عنده كرامة.. وهو حاسس بقيمة نفسه ويحس طعم الحرية، يمشى فى الشارع كدا وهو رافع راسه مش منزلها أو خايف من اى واحد معاه سلطة، إحنا ياما عيشنا فى خوف وذل، خلاص بقى تعبنا كفاية، الشعب المصرى قبل كدا ما كانش عارف يعيش.. كان فيه قهر والواحد داق الظلم كتير».
لم تكن «فاطمة حسين»، السيدة الخمسينية البسيطة بنت الجنوب جزيرة أسوان تتوقع، ولو فى خيالها، فى لحظة من اللحظات أن تمر بهذا الموقف الشجاع مع ضابط ظالم يهددها باعتقال ابنها.. هذه المواجهة البطولية تنبأ بها الخال عبدالرحمن الأبنودى، شاعرنا القدير قبل سنوات فى قصيدته «أحزان عادية»، حيث يواجه فيها المواطن المصرى المقهور السلطة الظالمة، ممثلة فى ضابط وهو يقول «يا عم الظابط انت كداب واللى بعتك كداب مش بالذل هشوفكم غير ولا هسترجى منكم خير».
إذن فقد أيقظت الثورة حلم العيش بكرامة فى نفس فاطمة حسين، التى تمثل الغالبية العظمى من أمهاتنا.. وراحت تتمنى على الرئيس الجديد، وتنصحه: الريس الجديد عشان ينمى مصر لازم يهتم بشباب مصر.. مشكلة اللى فات إن ماكنش فيه حب، ولا أمان.. نفسى أقوله اهتم بالشباب اللى زى الورد ده، وحاول تخليه يحبك.. قد ما يحبك هيديك.. ان أمنيتى إن عيالى وولاد الثورة دول يحققوا اللى نفسهم فيه.. لأن فيه شباب كتير زى الورد ماتت.. حرام علينا دمهم يروح كدا، لأن دمهم ده مش رخيص، عشان كدا نفسى الثورة تكمل بنجاح.. وأنا حاسة إن الثورة بتنجح، بدليل إننا قربنا من الديمقراطية، والمطالب الفئوية فى كل مكان.
مصر فى عيون الصغيرات
«إحنا عايزين مصر تكون جميلة ومبسوطة.. يكون كل واحد عايش فى بيته فرحان... ما يكونش فيه جرائم ولا سرقة زى قبل كدا.. الناس تحب بعض ويفضلوا ينظفوا فى الشوارع زى ما بيحصل دلوقتى عشان تفضل شوارعنا نظيفة... الناس كلها تلبس حلو والكل يروح المدرسة يتعلم... عايزين مصر تكون أحسن.. عايزنها أحسن عشان بنحبها».. هذا الحلم البرىء الصغير، الذى فى الحقيقة هو حلم كل مصرى، نقلته الكاتبة هند إسماعيل على لسان 3 صغيرات من ساكنى حى قايتباى برقوق بالمدافن فى القاهرة، عقب خلع الرئيس السابق حسنى مبارك، بأسابيع قليلة.
الفرحة التى رصدتها الكاتبة فى عيون الصغيرات أسماء (10 سنوات)، ورقية( 5 سنوات)، وأسماء (8 سنوات)، برسم علم مصر على أحد جدران حيهن التاريخى والفقير أيضا، تفتح أمامك الباب على مستقبل هذه الثورة، فكل منهن شاركت فى الثورة بما تستطيع فعله.. «إحنا ساعدنا بعضنا إننا نلون الحيطة بتاعة البيت، كل واحدة فينا اختارت لون وكانت مسئولة إنها تخلص الحتة بتاعتها».. علمت الثورة صغيراتها، العمل ضمن الفريق، وتحمل كل منهن مسئولية عليها انجازها.
«إحنا رسمنا علم مصر عشان إحنا بنحب مصر، الثورة خلتنا نحب مصر، إحنا حققنا نجاح كبير، ومشينا الحرامى حسنى مبارك لأنه عمل حاجات كتير وحشة أوى فى البلد، كان فيه سرقة وكان الناس مش عارفة تعيش.. والثورة لما جت بقينا أقوياء، ومش بنخاف من أى حاجة الناس كلها خرجت تلون وترسم قد إيه هما بيحبوا مصر.. وإحنا كمان قررنا نرسم علم مصر على الحيطة عشان إحنا مبسوطين أوى»... هكذا فجرت ثورة يناير المجيدة الأحلام والآمال فى عيون الصغيرات، لترى كل منهن مستقبلها فى بلد كانت فيما سبق لا تعترف بالفقراء وتتجاهل أوجاعهم وتحرمهم أبسط حقوقهم.
«إحنا عايزين نرسم حاجات تانية كتير، عايزين نرسم 25 يناير ونرسم الشهداء... عايزين نعمل حاجات كتيرة أوى أوى لمصر وعايزين نرسم فى كل مكان حتى كمان جوة بيوتنا.. نفسنا بيوتنا وشوارعنا تكون منظرها حلو».
للتحدى عنوان
فى مصر فقط ينظر للمعاق نظرة تعتبره ناقصا أو أقل يستجدى الإحسان.. رغم الدروس الكثيرة التى نتعلمها منهم وتثبت لنا أن التحدى الحقيقى يقبع بين عيون المعاقين.. ولعل آخر هذه الدروس ما حققه أبطالنا المعاقون، بكل ما يعانونه من إهمال وتجاهل، فى أوليمبياد لندن من نجاحات لم يستطع الأصحاء تحقيقها، رغم كل ما يحصلون عليه من اهتمام ومميزات.
«أنا عندى إعاقة مركبة، انا ماكنتش معاق، بس ربنا منّ على بنعمة الإعاقة، بعد ما حصلتلى حادثة من 15 سنة، ولما أصبحت معاقا بقيت أحس بيهم وحسيت قد إيه حقوقهم متاكلة، والدولة مهمشاهم، بحس إن هنا فى البلد دى 99% من الناس بيعتبروا المعاق ده شحات.. المعاق لما ييجى يتجوز. الناس تبص له بصة غريبة.. ويفضلوا يقولوا للبت لو هى سليمة، ملاقتيش غير المعوق؟، أنا ربنا منّ علىَّ واتجوزت... يوم ما ربنا رزقنا وإدانا محمد.. الناس فى الشارع قعدت تقول المعوق خلف.. المعوق خلف»... هذه الشهادة التى سجلتها هند إسماعيل على لسان على عبدالمتعال، العامل فى مسجد بأسوان، تكشف عن قهر آخر يتعرض له المواطن على يد أخيه المواطن، بالإضافة إلى ظلم السلطة.. إنه «القهر الاجتماعى».
ويبدأ هذا القهر من التسمية.. «أنا برفض لفظ المعوق وده للأسف ناس كتير متعلمة بتقوله وبتردده، اللفظ ده بكرهه لأن فيه فرق بين المعاق والمعوق.. المعوق ده هو اللى بيعوق الناس عن العمل وعن تأدية مصالحهم، إنما المعاق ده اللى ربنا أكرمه ومنّ عليه بنعمة الإعاقة.. والحمد لله، أنا من النوع اللى بيحب تحدى الإعاقة.. كنت بمشى فى مظاهرات وشاركت فى الاعتصامات من قبل ثورة 25 يناير، وعملت معرض للخرز فى جامعة جنوب الوادى وبعت شغل الخرز.. لازم تحدى الإعاقة بالعمل مش بالكلام».
يتجلى تحدى المعاق لإعاقته فى الاعتراف أولا بأنها نعمة من الله، والإصرار على كسر الحاجز الذى تفرضه هذه الإعاقة بالعمل، عن طريق استغلال المعاق لمهاراته التى ما زال يتمتع بها ولم تفقده الإعاقة اكتشافها، والعمل على تنميتها.
«فى جمعيات هنا كتير للمعاقين، بس إيه اللى بيعملوه؟، ولا حاجة.. أنا اللى نفسى فيه ان الناس اللى ماسكة الجمعيات تفهم انهم قبل ما يقولوا عايزين نعمل حاجة للمعاقين، لازم يعرفوا مين هما المعاقين وإيه اللى عايزينه ومحتاجينه.. يكون دورها الأساسى إنها تشجعهم على تحدى الإعاقة.. هو ده أهم جزء.. أنا قلت لهم قبل كدا ما ينفعش يدونا فلوس وإننا عايزين نشتغل ونسترزق.. ما انت بدل ما تدينى السمكة، علمنى طيب إزاى الصيد.. أنا ما عنديش استعداد أكون شحات وأخد فلوس من غير عمل.. لكن تقولى لمين، محدش منهم بيشتغل عشان مصلحتنا».
هذا هو حلم على عبدالمتعال، هو لا يريد حسنة أو صدقة من أحد، لكنه يريد أن تفهم الدولة ومنظمات المجمتع المدنى التى تعنى بشئون المعاقين مشاكلهم واحتياجاتهم جيدا.. يريد أن يساعدوه على العمل وكسب رزقه وقوت أولاده بالحلال وبعيدا عن الإحسان والتسول، يريد أن يكسبه بكرامة، ورأسه مرفوعة، فهل تسمعه الحكومة؟.
نوبة صحيان
«المصريون بيعيشوا على أقل حاجة، لقمة بسيطة بتعيشنا: حبة فول أوعدس، النهاردة لو انت معاك بليون ومش هتعمل بيهم حاجة، ليه متعملش مشاريع للناس المحتاجة؟، إحنا مش عايزين حاجات كتير، عايزين بس نعرف نعيش: نأكل نتعالج ونعلم عيالنا. عايزين أمن واستقرار نخلص من البلطجية اللى منتشرة اليومين دول، البلطجة والحوادث المنتشرة هى اللى واقفة فى طريق شباب الثورة، وهى اللى مش مخلية كتير يحس بنجاح الثورة، إحنا عايزين لما ستاتنا وبناتنا يخرجوا ما نقلقش عليهم عشان فيه أمان، مش عايزين أى حاجة تانية غير كدا».
هكذا ركز عم حسن محمود أحمد، جزار من جزيرة الدهب فى النيل، على ما يطلبه المواطن المصرى البسيط، الخبز، العلاج، الأمان، التعليم، وتكافل وعدالة اجتماعية، وهذا ما لخصته الثورة فى أهدافها الرئيسية، وهى أبسط الحقوق الإنسانية التى سبقتنا دول كثير فى جعلها حقوق مقدسة لا يستطيع أحد المساس بها إلا الأنظمة المستبدة... لهذا جعلت الثورة عم حسن يمر بنوبة صحيان تجعله يختار من سينتخبه ليشغل المناصب التشريعية والتنفيذية فى البلاد، مع التأكيد على فرض رقابة على هؤلاء المسئولين.
«أنا مش هاعطى صوتى لأى حد، لازم يكون واحد عمل حاجة لمصر، شخص أمين، عنده مبادئ وأخلاق، شخص ينفذ الوعود اللى قالها سواء الرئيس أو رئيس الوزراء لازم يكون حد نعرفه كويس، واحد مننا يحل مشاكلنا ويفهم احتياجاتنا، مش جاى طمعان فى سلطة وعربية وخدم وحشم، لأ إحنا مش عايزين نعيد نفس الأيام اللى عشناها تانى وعشان كدا لازم السلطة تتقسم عشان يكون فيه اختلاف فى وجهات النظر والفكر، ويكون فيه نقاش وحوار، أحسن من إن البلد يمشيها واحد على مزاجه ولمصلحته، فلازم نقلل من صلاحياته، ما ادلوش كل شىء، ما إحنا ادينا اللى قبل كدا كل شىء وهو كوش على الكون كله».
سيظل نظام مبارك وما فعله من سيطرة على كل شىء فى الدولة حتى الأحلام، ماثل أمام الأعين، ولن يسمح عم حسن أو غيره أن يترك من خلفه ليفعل مثله، لأن الثورة جعلته يستيقظ ويفهم ما يدور..
«قبل كدا ماكنش الواحد دريان باللى بيحصل.. دلوقتى صحينا ولازم نطالب بحقوقنا عشان نعرف نعيش، هى دى الحرية.. الثورة دى هى اللى جابلتنا حريتنا، خصوصا بعد ما رموز الفساد اتشالت.. عايزين مصر تكون فى ازدهار، والحكومة تبص للناس اللى فى الأقاليم، ويراعوا ربنا سبحانه وتعالى فى ضمائرهم وييجوا يعملوا مصانع يشتغل فيها المواطنون.. يعوضونا عن التلاتين سنة اللى رموز الفساد داست علينا فيهم، أنا شايف إن المستقبل هيكون مختلف.. هيكون فيه ازدهار وكل واحد هياخد حقه.. أصل ده لو محصلش يبقى الناس دى نزلت من بيوتها ليه؟ النظام الأولانى كان نظام فاسد... سرقة ونهب وإرهاب واحنا بالثورة دى المفروض قضينا على جزء كبير منه».
حكايتنا على جدران الشوارع
«أول ما حصلت الثورة، قررنا ننزل ننظف الشوارع وبدأنا نشوف الحوائط البايظة واللى مكتوب عليها أى كلام ونرسم عليها.. الجرافيتى اللى عملناه بيتكلم عن أحداث الثورة عن الشهداء، كلام فيه رسائل توعية زى مثلا شعارات الوحدة الوطنية وحب مصر.. زمان كان الشارع مش بتاعنا ولا كان حد حاسس به دلوقتى ومن يوم 25 يناير، المواطن نزل الشارع وعاش فيه واضرب واتظاهر ونام وأكل ونظفه.. الشارع أصبح شاهدا على أحداث حدثت للناس أيام الثورة... طول ال18 يوما كان الشارع فعلا هو ملكية المواطن وهو الصوت اللى بيعبر عنه... وعشان كدا فكرة التوعية عن طريق الجرافيتى فى الشوارع هى اللى هاتوصل للناس بسهولة لأنها بسيطة وأى حد هيفهم المعنى اللى وراها لأنها ببساطة بتخاطب الشارع بكل فئاته».
هؤلاء هم: نهى عبدالمجيد، ودينا الموجى، ونوران مرسى، وإسراء الغزالى، وسلمى شريف، وريهام الهوارى، وأحمد شريف، ومحمد عاطف، وعمر الحسن، وعبدالرحمن أحمد، أعضاء فريق شبابى لرسم الجرافيتى على جدران مدينة القاهرة.
«قبل كدا كنا فاكرين إن مفيش أهمية لأى حاجة ممكن تتقال.. لكن لما الثورة حصلت وكل واحد ابتدى يتكلم فى السياسة.. الناس بقى صوتها عالى، آراؤها، أحلامها وهتافاتها بقى كل مواطن رجل سياسى، الثورة بينت حب المصرى لبلده عامل إزاى وحلمه ليها واصل لحد فين.. فى الأول ماكناش بنحس بكدا ولا كنا بنحس إن البلد بلدنا لغاية ما حصلت الثورة».
هكذا عادت البلد إلى أصحابها الحقيقيين، الذين ظنوا فى وقت من الأوقات أنهم فقدوها ولم تعد بلدهم، ومات مع ظنهم هذا احساسهم بحبهم لها.
«نفسنا نشوف مصر أحسن ديمقراطية أكتر.. ماكانش عندنا ديمقراطية قبل كدا.. وماكناش نعرف معنى ديمقراطية.. وعشان كدا محتاجين نشر الوعى لأن كل صوت فينا بيفرق.. ودى الحاجة الجديدة اللى الشباب بدأ يحس بيها إن صوتنا بيفرق فى فترة الاستفتاء الدستورى، شفنا جدة ماكنتش قادرة تطلع السلم من غير حد ما يساعدها بس كان على وشها ابتسامة كبيرة وكانت مصممة تصوت».
يعرف الشباب تماما أن التغيير يحتاج وقتا ليفرض نفسه، وأن الثمانية عشر يوما التى قضوها فى الميدان كفت لإسقاط مبارك لكنها لا تكفى لإزالة آثاره السيئة على المجتمع وخاصة سلوكيات الناس... «إحنا عارفين التغيير مش هيحصل بين يوم وليلة هياخد وقت مش فترة صغيرة، فترة كبيرة.. بس عندنا أمل إن المستقبل مصر هتكون فيه فى مكان أحسن، ولو كل واحد فى إيده حاجة يعملها يقدر بيها يخدم البلد مصر هتكون فى مكان أحسن بكتير».
حلقات من كتاب تنشره دار الشروق
حلم القصاص
«من 10 سنين كنت شغال فى مصنع بيصنع تليفزيونات.. وفى يوم اكتشفت حالة فساد فى المصنع ده ولما واجهت مديرى.. راح رفتنى.. من ساعة اليوم ده، ماحبتش أفقد الأمل ان ممكن ييجى يوم مصر فيه تتصلح والفساد والظلم ينتهوا من البلد.. فقررت انى مش هاسكت وهافضل اتكلم.. لأن طول ما فيه ظلم وفساد وسكوت.. عمرنا ما هانجيب حقنا.. لازم صوتنا يعلا ولازم خوفنا يموت.. كنت دايما بشارك فى الوقفات الاحتجاجية قدام مجلس الشعب ورغم ان الداخلية وقتها كانت بتقبض على كتير من المشاركين وتنزل فيهم اهانات وضرب بس كنت مؤمن ان هييجى يوم البلد فيه هاتنضف من الفساد كله».
سمعت عن المظاهرات اللى هاتحصل يوم 25 يناير وهاتطالب بإسقاط نظام مبارك وظلم شلته.. كان جوايا أمل ان اليوم ده، هو يوم استرداد كرامة المصريين.. نزلت انا وابنى نشارك الشعب فى ميدان التحرير.. يوم 28 يناير 2011 مينا ابنى خرج عشان يجيب حقى وحقك وحق الجيل اللى جاى.. خرج ومارجعش! ابنى كان لسه يادوب متجوز ومالحقناش نفرح به ولا يشوف ابنه أو بنته اللى جاى فى السكة.. من يوم ما استشهد وانا قررت انزل اطالب بحقه وادافع عن قضية بلده اللى استشهد وهو بيطالب بحق وحياة أفضل فيها.. من ساعتها وأنا فى التحرير ومش هاسيب الميدان غير لما أجيب حق ابنى وكل الشهداء وحق البلد! أنا من ساعة الثورة ومن يوم استشهاد ابنى وأنا باكتب يفط لكل حاجة بفكر فيها، حاسسها، ونفسى أشوفها بتتحقق.. يمكن كلامى يقوى من عزيمة الشباب ومايفقدهمش الأمل.. ياما بلطجية الداخلية والعساكر قطعوهالى وداسوا عليها.. بس كنت بارجع تانى وباكتبها.
مصر بتتغير أكيد.. يمكن ببطء بس هاتتغير. غصب عن الحاقدين والمنتفعين اللى فيها. بالمخلص للبلد بس بجد مش منفعة شخصية ومش عايز شقة ولا عربية ولا مرتب.. اللى عايز الصح يتعمل اللى هو مايبقاش فيه واحدة بتشحت بمناديل ولا يكون فيه واحد عجوز بيطلع عينه عشان يصرف علاجه من التأمين وفى الآخر يقولوا له: «الدوا مش موجود».
أحداث إمبابة خلتنى أسأل: عايزين تفرقونا ليه؟ يا حاقدين، كلنا مصريين.. سواء مسلمين أم مسحيين.. شيلوا ايديكم القذرة عن شعبنا.. كلنا حانفضل ايد فى ايد.. عايز أقول للى معيشنا فى وهم الطرف التالت وعمالين يحكوا عنه.. شوفولكم لعبة تانية غير الدين تفرقوا بيها بين المسيحى والمسلم وتولعوا بيها البلد.. لعبة الدين زمنها راح وانتهى.. التحرير ورّانا صور لمصر ما حدش شافها قبل كده، ماحدش كان بيعرف يخدعنا لاننا كنا روح واحدة، مافيش حاجة اسمها مسيحى ومسلم. مافيش حادثة تحرش واحدة، أو واحد انتشل أو اتسرق موبايله. كنت تييجى يوم الجمعة تلاقى المسلم اللى بيصب عليه عشان يتوضأ مسيحى. المسيحى بيصلى وحوله كردون من المسلمين بيحموه.. فعشان وحدتنا وحبنا لبعض اللى شفناه أيام التحرير نقدر نطفى كل نار هاتولعوها عشان تهدّوا بيها البلد.