كان مثيراً، أن يكون الصراع لإسقاط بشار الأسد، هو ساحة المنافسة بين قطر والسعودية، بعد أن كان الصراع بينهما دائماً، على دعمه، وخاصة أيضاً أن مدى «حرص» قطر عند التعامل مع السعودية كان يبدو واضحاً فى بداية ظهور أقوى سلاح قطرى على الأرض: قناة الجزيرة. يقول الكتاب: «إنه فى بداية إطلاق الجزيرة، كان هناك خط أحمر واحد فى قطر، غير مسموح للجزيرة بتجاوزه فى تغطيتها للأحداث الخارجية، كان هذا الخط هو عدم توجيه أى انتقادات لعاهل السعودية من أى نوع». لكن، حتى هذا الخط كان رهن إشارة المصالح القطرية، يقول أحد السفراء السابقين لمؤلفى الكتاب: «إن هذا الخط الأحمر، وهذا الحظر، ظل قائماً حتى هجمات سبتمبر 2001 على الولاياتالمتحدةالأمريكية، ساعتها، رفع الأمير حمد هذا الحظر من على الجزيرة، وفتح المجال أمام المتطرفين السعوديين ليظهروا على شاشاتها، ويتسببوا فى إحراج الرياض فى علاقتها التى بلغت أقصى مستوى من التوتر فى تلك الفترة مع واشنطن». والواقع أن الضربات تحت الحزام لم تكن جديدة فى تعامل قطر مع السعودية، يروى الكتاب مثلاً: «أن الشيخ حمد بن جاسم، رئيس وزراء قطر، لم يتردد يوماً ما فى أن يدس ميكروفوناً تحت البساط خلال إحدى محادثاته مع ملك السعودية الراحل الملك فهد، وهى واحدة من التجاوزات التى جعلت حمد بن جاسم شخصية مكروهة فى السعودية، خاصة من قبل الأمير بندر بن سلطان، رئيس المخابرات». لكن النفور الأمنى بين قطبى السياسة القطرى والسعودى، لم يمنع من التنسيق بينهما فى ملف أكثر حساسية، هو ملف الربيع العربى. يقول الكتاب: «أدى العام 2011 إلى أن تتغير قطر على أكثر من مستوى، إلا أن الحدث الأبرز فيها يظل هو الحرب على ليبيا، هذا الحدث هو الذى جعل تلك الإمارة متناهية الصغر، تجد لنفسها مكاناً وسط الكبار، خارج حدودها. خاصة بعد أن قامت قطر بدعم وتسليح المعارضة الليبية بعد تدريبها للإطاحة بالقذافى، وصارت قطر تضع المخططات جنباً إلى جنب مع بريطانيا وفرنسا وأمريكا للإطاحة بالعقيد، الذى ظل يحكم ليبيا طيلة 42 عاماً. وصارت الدوحة تقول: إن بالنسبة لها العالم من قبل 2011، ليس هو العالم من بعده». «فى فبراير 2011، اندلعت المظاهرات ضد نظام القذافى، ولم تتدخل قطر كثيراً، أو تلفت إليها الانتباه فى الاجتماع الأول لجامعة الدول العربية حول الأزمة الليبية. كان ذلك يوم 22 فبراير 2011، وكان كل من عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وقيس العزاوى، مندوب العراق الذى ترأس دولته تلك الجلسة، يصران على ضرورة إدانة القذافى، وكان أكثر ما أثار غضب الأمين العام، هو وصف القذافى وابنه لأهل ليبيا بأنهم «جرذان». لكن، ظلت قطر والسعودية تحافظان على صمتهما فى تلك الجلسة، كلاهما كان فى منتهى الحذر، ولا تريدان التدخل». ويوم التصويت على قرار يمنح القذافى عدة أيام لوقف الهجمات ضد شعبه، وإلا تم استبعاده من جامعة الدول العربية، أعطى عمرو موسى الكلمة للمندوب المصرى، ثم لنظيره التونسى، وكل منهما أدان اعتداء القذافى على شعبه بعنف، وسخر المندوب السودانى من الرئيس الليبى قائلاً: إنه اكتشف بعد أربعين عاماً من الحكم أن الليبيين جرذان، وتحدث مندوب الكويت بنبرة شديدة العدائية ضد نظام القذافى، أما مندوبا السعودية وقطر، فلم يقل أحدهما شيئاً، لكنهما قاما بالتوقيع بالموافقة على قرار الجامعة. ويتابع: «لكن، بمجرد أن بدأ سقوط الديكتاتور الليبى ومنعه من جامعة الدول العربية، راحت قطر تعمل بقوة فى الأيام التالية وتتخذ عدة مبادرات لحل الأزمة الليبية، بدعم ومشاركة من ست دول فى مجلس التعاون الخليجى، والأردن، والمغرب، وثلاث دول فقيرة فى جامعة الدول هى جيبوتى والصومال وجزر القمر. وبهذا صار للدوحة رصيد من 11 صوتاً ضمن أصوات جامعة الدول العربية التى يبلغ عددها 22 صوتاً. لكن فى المقابل، كانت هناك بعض الأصوات «القوية»، المعارضة للتحركات القطرية فى قلب الجامعة وكان أهم تلك الأصوات، هو صوت السعودية». يواصل مؤلفا الكتاب جورج مالبرونو وكريستيان تشيسنو: «لقد أثارت التحركات القطرية غضب جيرانهم السعوديين. صاروا يتهامسون فى الرياض: إن قطر تريد أن تقدم فقرتها لكى تثبت نفسها على الساحة. وأظهرت السعودية رفضها لعقد مؤتمر فى باريس حول الأزمة الليبية، فى الوقت الذى أظهرت فيه الرياض استنكارها لتعامل القطريين مع رجال «لا يجب التعامل معهم» على حد تعبيرهم، وكان على رأسهم القائد العسكرى الليبى المنشق عبدالحكيم بلحاج، وهو جهادى متطرف كان يحارب فى أفغانستان». ويروى: «لقد كان معروفاً أن السعودية لا تطيق القذافى، وأن النظام الليبى تورط أكثر من مرة فى محاولة اغتيال مسئولين سعوديين، إلا أن الرياض لم تكن قادرة، فى نفس الوقت، على أن تتجاهل حقيقة أن الأمير حمد، أمير قطر، لم يكن قط عدو القذافى اللدود. لقد قام القذافى مرة بلعبة قاسية، عندما سرب للمخابرات الأمريكية والفرنسية، وحتى للمخابرات السعودية نفسها، تسجيلاً لإحدى المحادثات التى دارت بينه وبين أمير قطر. قال فيها القذافى للشيخ حمد: اسمع، أعتقد أنه ينبغى عليك أن تحتل المنطقة الشرقية فى السعودية (وهى منطقة اضطرابات وقلاقل ثرية بالنفط تمردت أكثر من مرة على العائلة المالكة)، إن السيطرة على هذه المنطقة هى أفضل طريقة تضمن بها إسقاط عائلة آل سعود!». «هنا انفجر أمير قطر ضاحكاً، وقال للقذافى: فكرة رائعة، لكن حكام السعودية قد طعنوا فى السن لدرجة تجعل احتلال أراضيهم نفسه أمراً غير ضرورى!.. وبالطبع، لم تعجب هذه المحادثات أمراء السعودية عندما وصلت إليهم، وأوصلوا غضبهم بوضوح لأمير قطر، فى أحد اجتماعات مجلس التعاون الخليجى فى الرياض. نادى الأمير نايف بن عبدالعزيز، ولى العهد السعودى السابق على أمير قطر قائلاً: تعال هنا!، الملك يجلس الآن فى الغرفة المجاورة، ستركع على قدميك أمامه، وستطلب منه الصفح!. فرد أمير قطر: كلا، لن أطلب منه الصفح، لكننى سأتحدث إليه.. ثم توجه الأمير حمد للملك عبدالله وقال له: كما لا بد وأنكم تعرفون، لا داعى لأن تأخذوا هذه المحادثة على مأخذ الجد! أنتم تعرفون مدى جنون القذافى، لقد كنا نمزح معه فقط!». صمت الملك عبدالله قليلا، وبعدها، أشار بيده بما يعنى أنه قد نسى الموضوع. انتقلت المواجهة الخفية بين قطر والسعودية إلى أرض أخرى، أرض الأزمة السورية. يقول الكتاب: «إنه منذ منتصف صيف 2012، أصبح القطريون يشاركون بكثافة فى غرفة عمليات على الأرض، لمتابعة الأوضاع فى سوريا، كان مقر تلك الغرفة فى مدينة أدنة بتركيا، وكان السعوديون يدعمونها. أتاحت تلك الغرفة للأتراك مراقبة مسار تدفق الأسلحة الخفيفة، خاصة مدافع الكلاشينكوف، والصواريخ المضادة للطائرات التى كان المتمردون فى سوريا يسعون للحصول عليها من السوق السوداء بالأموال السعودية والقطرية واللبنانية». «لكن، وفى نهاية أغسطس من العام الماضى، بدأ الصراع ينشب بين السعودية وقطر، وكان السبب، هم الإخوان!». «كان الإخوان الذين يتمتعون بدعم قطر وتركيا، يريدون أن يسيطروا منفردين على القطاع المسئول عن توجيه السلاح للمتمردين على نظام بشار فى سوريا، خاصة أن هذا التحكم سوف يمنحهم مزيداً من القوة على الأرض. وهو الطلب الذى أثار غضب السعوديين بشدة. ونتيجة لذلك، ولعدة أسابيع تالية، صار كل معسكر يتحرك ويلعب بفريقه منفرداً، ومنفصلاً عن المعسكر الآخر: فيتحرك القطريون بالإخوان، ويتحرك السعوديون بالسلفيين، بينما اكتفت الفصائل السورية المناهضة للأصولية الإسلامية بأن تستنكر الوضع متسائلة: «هل يريدون تحويل سوريا إلى أفغانستان جديدة؟». «لكن حاملى الحقائب القطرية لا يتراجعون أبداً، فالدولارات الخضراء موجودة دائماً، وجاهزة، ولو حدث ورفض أحد زعماء الفصائل، أو الجماعات المسلحة، ممن يسيطرون على مائة أو خمسين رجلاً، أن يتعاون مع مبعوث قطر الذى جاء لرؤيته، يتجه المبعوث القطرى على الفور لفتح قناة اتصال أخرى مع نائب القائد أو الرجل الثانى بعده، ويعرض عليه مبلغاً كبيراً من المال، وعادة ما يقبل رقم 2 العرض القطرى، فينشق عن قائده، ويكون مجموعته الخاصة من الرجال، وهكذا، تزيد الأموال القطرية من الانقسامات إلى ما لا نهاية». أخبار متعلقة: يعيش دفتر الشيكات.. ويموت الشعب بيزنس «قطر» لبيع وشراء واستبدال الرؤساء العرب! الشيخ «القرضاوى».. سلاح الأمير حمد «إكرامية» الموظف 10 آلاف دولار .. ورئيس الوحدة 50 ألف دولار بكم اشترت قطر دور مصر؟