شرعت فى كتابة تلك السطور بعد حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب، ذلك الحكم الذى أعادنا إلى نقطة البداية أو «المربع صفر»! لتصبح مصر فى الوقت الراهن بلا دستور وبلا برلمان وبلا رئيس.. حتى إشعار آخر! ولا أبالغ إذا قلت إن عقلاء الوطن كانوا يتوقعون تلك النهاية الحتمية للفوضى والصخب الثورى، والمصالح السياسية الضيقة والأجندات الحزبية، وما نتج عن هذه الصراعات من أخطاء وخطايا، قادت البلاد إلى حالة من الفوضى والغوغائية والعبثية لم تشهدها مصر من قبل! لقد أراد الإخوان «وضع العربة أمام الحصان» لينقضّوا على مقاعد البرلمان، بعد أن اختطفوا الثورة من صنّاعها، وبدلاً من التمسك بوضع دستور جديد يليق بالثورة وبدولة المؤسسات والقانون التى نريدها، دفعت الجماعة الإسلامية الجماهير -التى تصبو إلى الجنة- للذهاب إلى الصناديق، وتأييد التعديلات الدستورية التى قال عنها أهل القانون والنخبة السياسية ما قاله مالك فى الخمر! والحق يقال، إن «الجماعة» لم تدخر وسعا من أجل السيطرة و«التكويش» والهيمنة والاستحواذ على كل سلطات الدولة المصرية، أما الأمر المضحك حقا -وشر البلية ما يضحك- أن السادة أعضاء حزب «الحرية والعدالة» -الذراع السياسية للإخوان- كانوا هم أصحاب الكلمة العليا والتأثير الأقوى، لإجبار المجلس العسكرى على الرضوخ لرغباتهم وتعديل «المادة الخامسة» من قانون انتخابات مجلس الشعب، لكسب مقاعد الانتخابات الفردية والقوائم أيضا، وهى المادة التى طُعن بعدم دستوريتها وكانت وراء حل برلمان الثورة، فعليهم ألا يلوموا غير أنفسهم! ولأن الأغلبية فى دول العالم الثالث، دائما ما تصاب بمرض يطلق عليه -فى علم النفس- «برانويا» بمعنى جنون العظمة، فقد دأب حزب الأغلبية على بسط نفوذه البرلمانى، وإعادة إنتاج أخطاء البرلمان السابق وبالسيناريو القديم نفسه، وكلف «ترزية القوانين» بتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية الشهير ب«قانون العزل» والمطعون فى دستوريته من لحظة تفصيله على مقاس عمر سليمان! واستكمالا للسيناريو الهزلى الذى أضاع من عمر الشعب المصرى عاما ونصفا، ظلت ولادة الجمعية التأسيسية للدستور متعثرة، بسبب رغبة القوى الإسلامية -المهيمنة على البرلمان- فى كتابة دستور يتوافق مع أيديولوجياتها ومصالحها ومخططاتها، تلك المخططات التى كشف جانبا منها الداعية الإخوانى صفوت حجازى، عندما فجر قنبلة من العيار الثقيل، وهو يخطب أمام آلاف بالمحلة الكبرى، معلنا أن «الإخوان المسلمين» و«حركة حماس» جسد واحد(!!) ومبشراً بعودة الخلافة الإسلامية، وقيام الولاياتالمتحدة العربية، وأن عاصمتها لن تكون القاهرة أو مكة أو المدينة، وإنما مدينة القدس المحتلة! وتحسبا لنتائج الانتخابات التى قد تأتى بما ليس على هوى الجماعة، وتبدد حلمهم فى كرسى الرئاسة، بدأ د. محمد مرسى خطوات استباقية بالتشكيك فى نزاهة انتخابات الإعادة التى تجرى على أرض مصر فى حال فوز الفريق أحمد شفيق! وهدد بالنزول إلى الشوارع والميادين، بمعنى، إما الفوز التام أو الموت الزؤام! وكذلك د. عبدالمنعم أبوالفتوح -الإخوانى المغضوب عليه- فقد توعدنا بعد صدور أحكام المحكمة الدستورية بعواقب لا تحمد عقباها، وبشرنا بأن الشباب لن يقفوا مكتوفى الأيدى! حقا كم هى صعبة وعسيرة تلك المرحلة الفاصلة التى يعبرها الوطن، الكل يتسابق على سلب إرادة وعقول المواطنين البسطاء المنهكين من الفقر والمرض والجهل، توارت المصلحة الوطنية خلف قضبان الأجندات والمصالح الخاصة وأحلام السلطة، وأصبح كل شىء مستباحا.. هدم الأخلاق والقانون والدولة، والعبث بمقدرات الشعب وطموحاته وثوابته وكياناته الشامخة.. هل نحن حقا نخطو إلى الأمام ونتطلع نحو المستقبل؟! أم أننا سائرون نياما على طريق الإبادة الذاتية؟! هل من يقودون الشارع، ويرسمون له خارطة الطريق مخلصو النية للوطن، أم هم مخلصون لحلم الخلافة الإسلامية ويدفعون بنا إلى الهاوية؟! أحسب أن الفقيه القانونى د. فؤاد عبدالمنعم رياض قد أصاب كبد الحقيقة عندما قال إن الخطر الأكبر الذى يهدد الوطن ويعرقل مسيرته بروز تيارات الإسلام السياسى فى المشهد السياسى، وإن لم يكن الانتماء للوطن، زال الوطن وتحولنا لطوائف وقبائل متناحرة ومتقاتلة! إن الساعات القليلة المقبلة سوف تحدد لنا اسم الرئيس القادم، وإذا كانت الديمقراطية قد أعطت الحق لمن يرفضون انتخاب د. مرسى أو الفريق شفيق، التعبير عن رأيهم من خلال الامتناع عن التصويت، أو الانضمام لحزب «مبطلون» وإبطال أصواتهم الانتخابية فى الصناديق، فالمؤكد أن الواجب الديمقراطى يحتم على الجميع احترام وقبول رأى الأغلبية أيًّا ما كانت النتائج، وإلا تحولت الديمقراطية إلى فوضى وغوغائية وهمجية، وتحولنا من دولة تحترم الشرعية إلى غابة، الكلمة العليا فيها للأقوى والأعلى صوتا! إننى أتمنى ألا تتحقق تنبؤات موشى ديان -وزير الدفاع الإسرائيلى السابق بعد نكسة يونيو 67- عندما أبلغه جيشه أن باستطاعته التقدم نحو القاهرة، لكنه رفض معللا ذلك بأنه لا توجد ضرورة لتكبد تلك المشقة، لأن المصريين سيقضون على أنفسهم بأنفسهم خلال خمسين عاما بسبب التمييز والتعصب والأمية والجهل!